لها صفة الدوام، لأن في العالم أمما أخرى لا تقل عن بريطانيا في مواهبها الطبيعية أو مواردها المادية، وكانت ثمة عوامل عدة تعمل على تقويض دعائم هذه السيادة في خلال الجيل السابق للحرب؛ وكانت الحرب نفسها تنذر بزوال سيادة بريطانيا المضمحلة سيادة الزعامة والنفوذ وإحلال سيادة ألمانيا سيادة النظام والقوة محلها. هذا الانقلاب على الأقل لم يقع، ولكن شعباً واحداً لا يستطيع أن يكون له شيء يسمى سيادة في هذا العالم الذي يسير في طريق الحرية، بل لا يحق لشعب أن يرغب في هذه السيادة، ولذلك أخذت سيادة بريطانيا القديمة تزول شيئاً فشيئاً بعد الحرب وبسبب الحرب، وأصبح واجباً عليها أن تكيف نفسها لمركز جديد في العالم؛ ولا شك أنها تلقي في سبيل هذا التكييف نصباً. ولنبحث أولاً فيما اعترى أسباب عظمتها من تطورات:
لم يعد مركز بريطانيا البحري يضمن لها ما كانت تتمتع به من سلامة؛ ذلك بأن التقدم السريع في وسائل النقل الجوي يعرضها لخطر الغزو بشكل مرعب عرفته أثناء الحرب الكبرى، ونقول بشكل مرعب، لأن مدنها الواسعة المكتظة بالسكان يمكن تدميرها بين عشية وضحاها، ولم تستكشف بعد وسيلة لاتقاء هذا الخطر إلا منع الحروب بتاتاً. وليس هذا كل ما في الأمر، فان اعتمادها في بقائها على ما يأتي إليها من الطعام من وراء البحار يعرضها إلى الخراب العاجل المفزع إذا هاجمت سفنها الغواصات، وذلك خطر ليس في الاستطاعة اتقاؤه إلا بوسائل غاية في البطء والمشقة كما دلت الحرب. فان أهلها كادوا يموتون جوعاً بسبب الغواصات القليلة العدد التي استخدمتها ألمانيا في الحرب. وإذا ما هاجمها في المستقبل أسطول من الغواصات كالذي تمتلكه فرنسا مثلاً كان هذا الهجوم أكثر مفاجأة لها وأشد خطراً عليها، لأن الجزيرة التي كانت من قبل معقلاً منيعاً لأهلها أصبحت الآن شركاً منصوباً لهم. وليس في استطاعة بريطانيا أن تعتمد في سلامتها على مواردها الخاصة كما كانت تعتمد عليها في الأيام الماضية. فإذا أرادت أن تأمن على نفسها فإن عليها أن تُعوِّل على ما يقوم به العالم المتمدين من عمل إجماعي لجعل الحرب مستحيلة الوقوع
ولقد انقضى الآن عهد سيادة بريطانيا البحري انقضاء لا مرَدَّ له بعد أن دام ثلاثة قرون واضطرت بريطانيا في معاهدة واشنجتن (سنة ١٩٢٢) أن تعترف (بمساواة) الولايات