المتحدة لها وهي تعلم علم اليقين أنه إذا قام التنافس في التسلح بينها وبين الولايات المتحدة تغلبت عليها الأخيرة بمواردها التي لا ينضب معينها. وليس هذا كل ما في الأمر فإن الحرب أظهرت أن الأحوال الحاضرة تجعل الاحتفاظ (بسيادة البحار) على الوجه الأكمل من أصعب الأمور. فلقد كان عدد السفائن الألمانية المغيرة التي انطلقت في بداية الحرب أو استطاعت أن تفلت من الحصر في أثنائها صغيراً لا يذكر، ولو لم يكن ساحل ألمانيا غاية في القصر سهل الرقابة لما كان عدد هذه المغيرات قليلاً إلى هذا الحد، ولكنها على قلتها لم يقتنصها إلا مائة وأربعون طراداً. ذكر ذلك اللورد جليكو في المؤتمر البحري المُعْجَل الذي عقد في عام ١٩٢٧ لكي يتذرع به للاحتفاظ لبريطانيا بسبعين طراداً فقط. أما إذا أرادت أن تضمن لنفسها سيادة البحار في كل الأحوال فلا يكفيها سبعون طراداً بل لابد لها من سبعمائة، فليس في استطاعتها إذن أن تعتمد على مواردها الخاصة لتضمن سلامة البحار، تلك السلامة التي تقف عليها حياتها، بل عليها أن تعتمد على تعاون هيئة عالمية منظمة. وقد يعز على بريطانيا بطبيعة الحال أن تقر بهذه النتيجة، لكنها برغم ذلك نتيجة محتومة لا مناص منها. كانت بريطانيا أكثر الأمم اكتفاء بنفسها - في هذا الميدان على الأقل - أما الآن فقد أصبح موقعها يحتم عليها أن تكون أول داع إلى اعتماد الدول بعضها على بعض إذا قدرت ما يعرضها إليه موقعها من الأخطار.
أما الإمبراطورية فإذا نظرنا إلى أجزائها الرئيسية رأينا أنها لم تبق (إمبراطورية) مهما توسعنا في فهم هذا اللفظ، ولم يبق لبريطانيا (إشراف) عليها، بل أصبحت شركة مفككة الأجزاء من دول حرة تسعى كل منها إلى (الاكتفاء بنفسها) عن طريق الحواجز الجمركية، ولم تبق أسواقها مفتحة الأبواب للبضائع البريطانية. وينطبق هذا الوصف على بلاد الهند التي كانت أعظم الأسواق لتصريف المنسوجات القطنية، وهي أهم الصادرات البريطانية؛ وكان تصميم الهند على الاستغناء عن هذه البضائع قدر استطاعتها من أكبر الأسباب التي أدت إلى كساد هذه الصناعة بعد الحرب. وكان ما اعترى الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب من تطور وعدم وجود سياسة عامة منسجمة تحل محل ما كان لبريطانيا من إشراف قد نقص الآن إلى الحد الأدنى. كان ذلك كله من أهم المظاهر التي بدت على هذه الدولة بعد الحرب ولأهميتها سنفرد بحثاً خاصاً فيما بعد