عظيماً من الشهرة، ولا يزال الأفذاذ النابهون من الإنجليز، رجال ما قبل الحرب. كذلك نرى في طوائف كثيرة من الشعوب البريطانية ميلاً متزايداً للاتكال على الحكومة في إصلاح عيوبها؛ وقد يكون منشأ هذا الميل لدى عامة الشعب ما وضعته الحكومة في السنين الأخيرة من نظم محكمة لتخفيف الضنك أو ما سلكته من الطرق في تنظيم هذه النظم؛ لكننا نشاهد هذه العادة نفسها: عادة الاتكال على الحكومة بين مديري الصناعة الذين يتطلعون إلى الحكومة لتقيهم شر المنافسة الأجنبية مع أن آباءهم كانوا يرون واجباً عليهم أن يقفوا أمام منافسيهم وجهاً لوجه لا يميزون منهم في شيء (شأنهم في ذلك شأن سائر أفراد الأمة) فإذا لم يقووا على المنافسة سقطوا صرعى في الميدان. ويلاحظ البعض أن أخلاق البريطانيين بعد الحرب طرأ عليها تغير خطير، فقد أخذ يسري في نفوسهم روح الجمود والاستسلام والرغبة في الفرار من الصعاب والتخلص منها بالتجائهم إلى الألعاب وغيرها من ضروب الراحة والتسلية. قد تكون هذه الميول عارضة لا تلبث أن تزول، ولكنها مادامت موجودة خطر ينذر بشر مستطير. وإذا صدق هذا الظن وكانت هذه الميول موجودة حقاً فربما كانت رد فعل طبيعي للمجهود الذي قاساه الشعب في الحرب وزوال ما كان يغشي بصائره من الغرور
كذلك كانت الحرب سبباً فيما اعترى قوة بريطانيا المالية بعدها من ضعف مخيف. ذلك إن البلاد حملت من الديون والضرائب ما لم تتحمله أمة أخرى، لأنها مدت حلفائها بجانب عظيم من نفقات الحرب؛ ولم يكد يرد إليها هؤلاء الحلفاء شيئاً من هذه الأموال ولن يردوا إليها شيئاً في المستقبل إلا ما استدانته باسم هؤلاء الحلفاء من الولايات المتحدة الأمريكية. وبينما تعمل الدول الأخرى لتخفيف العبء عن كاهل أهلها تزيد بريطانيا أعبائها بالتدريج؛ وتجيز كلتا الهيئتين السياسيتين القويتين في بريطانيا زيادة الضرائب وتراها أمراً مرغوباً فيه لذاته، فأحدهما تريد زيادة الضرائب المقررة والأخرى ترغب في زيادة الضرائب غير المقررة من غير نظر إلى ما سوف تنفق فيه الأموال. وهذه الأعباء الثقيلة تشل قدرة بريطانيا على الإنتاج من وجوه عدة، وتضعف ملكة الادخار والاستثمار لدى كثير من طبقات الشعب ضعفاً خطيراً. ويزيد من هذا الخطر تمسك الشعب بمستوى معيشته الراقي دون أن يراعي ضعف الوسائل التي تمكنه من ذلك، وهذا أمر مشاهد لدى جميع الطبقات.