أهلها بالصدفة. . . لماذا؟؟ ماذا جنت؟؟ ما ذنبها هي إذا كان هذا أو ذاك قد شاء أن يكون أخاها أو عمها أو أمها؟. . لماذا لا تخرج وحدها فيتيسر أن تشعر بأن لها وجوداً خاصاً مستقلاً عن وجود هؤلاء الآباء والأمهات والأخوة والأعمام والخالات الخ؟؟ والحق أقول أني تحسرت عليها ولها، فأنها مسكينة ولا شك تحيا حياة مرهونة بحيوات أخرى على حين لكل من هؤلاء الآخرين حياته الخاصة المستقلة التي لا علاقة لها بحياة هذه الفتاة
وقد كانت تضحك وهي واقفة تنتظر الترام مع أقرباء الصدفة ومن حقها أن تضحك، فقد نزلت إلى الأرض وداست قشرتها الصلبة بقدميها الصغيرتين وركبت الترام - أو هي ستركبه بعد دقيقة - ورأت الناس عن قرب بعد أن كانت تراهم عن بعد كالأشباح، وألفت نفسها سابحة في لجة الحياة التي لا يمكن أن تحسها أو تدركها وهي في شرفتها. . . نعم كانت في المريخ تحلم بدنيا لا تعرفها فهبطت إليها وصار الحلم حقيقة والظن يقينا. . . فلها أن تضحك وتسر
وأنا؟ أنا أبدي لها المودة فتتلقاها بهذه الجفوة والنفور والتخفي والتدلل كأنما أسيء إليها بحبي لها، وأجني عليها بميلي إليها، أو كأنما من الشتم لها أني تركت مئاتٍ ومئاتٍ من الفتيات وآثرتها عليهن جميعاً!! فلو أني كنت أبدي لها الكره والاستخفاف والاشمئزاز أكانت تقابلني بشر من هذا؟؟ كلا! بل كانت حينئذٍ تتعمد أن تبدو لي وتتكلف أن يكون ظهورها في حفل من الزينة، لأنه كان يشق عليها في تلك الحالة أن رجلا لم يَصْبُ إليها، ولم يفتنه جمالها، ولم يسب لبه حسنها، وكان هذا الإحساس خليقاً أن يدفعها إلى التحدي - غير أنه تحدي ينطوي على استجداء للإعجاب من الرجل. وأنا أقول الاستجداء وأعني ما أقول بلا نقص. ذلك أن الجمال هو السلاح الوحيد الذي وُهبتْهُ المرأة، وليس لها في كفاحها في الحياة سلاح غيره، فإذا فقدته فحكمها هو حكم كل مناضل ليس له سلاح، وصار أعزل لا يملك كراً ولا فراً ولا مصاولة ولا محاورة ولا مداورة. وماذا يملك الأعزل أمام الشاكي إلا أن يذعن لقضاء الله فيه ولتحكم القوة المسلح؟؟ ولا فرق بين أن تفقد السلاح الذي تصول به وتجول، وبين أن يثبت لك أنه قد صار لا فعل له فأن عمل السلاح ومزيته أن يحدث أثره لا أن يكون في يدك والسلام. فإذا لم يكن له أثر كأن يكون قد فله شيء، أو لاقى ما يثنيه أو يرده أو ما يصبر على وقعه ولا يتضعضع أمامه، فهو وعدمه سيان؟ كذلك