إلى هنا تستطيع أن تعرف أن نفساً غارقة في الهموم تسأل عن شط الرجاء، وتشكو من أنواء الليل وغيوم النهار، وتطلب إلى جراحها أن تعول لتسمع الديان، فالرياح لا يهمها زورق بقول عنه الشاعر: غضبان! مع أن الرياح هي الغاضبة عليه، وأما هو فمسكين، رقيق الحال، بال، مثقوب الشراع؛ ويظهر أن الضنى والشحوب وخيال الوداع من آلام تلك النفس، إذ لم يقل لنا ماذا جرى لها، وليس فيما قبلها ماله صلة بها.
إلى هنا تستطيع أن تدرك معنى هذا الكلام، وان كان لم يؤد إليك تأدية شعرية تصل إلى نفسك، أما ما بعد ذلك فكلمات صاخبة في بحر من النظم، وعبارات متمردة ثائرة: فالسكين ترقص، والفجر مذبوح، والدجى مخمور، والردى سكران، والظلام يتولى في عناق الصخور؛ ولا يقولن أحد إنني أبتر الكلام، فهذان البيتان:
كان رؤيا منام ... كأسك المسحور
يا ضفاف السلام ... تحت عرش النور
ما معناهما؟ ضفاف السلام التي تحت عرش النور كأسها المسحور كان رؤيا منام!!
والمتأمل يرى أن في القصيدتين محاولة لتصوير قصة نفس وإبراز فكرتها وهي اعتصام النفس بالكبرياء من عواصف الهموم والآلام، ذلك أن النفس الكبيرة تمر بها الهموم والآلام لا تنال منها شيئاً، وإن استسلمت لتواردها فأنها لا تلبث أن تمتنع منها بالكبرياء والشمم؛ ولكن القصة وفكرتها لم يأخذا حظهما من التصوير والإبراز
أوبة الطيار
وهي قصيدة الأستاذ أحمد رامي، مستواها عادي، ومعانيها عامة وقليلة، ونستطيع أن نقول إنها قصيدة لفظية، فألفاظها سمحة وإن كانت ضنينة بالمعاني. ومن يسمع هذه القصيدة أو يقرؤها يدرك قصور الشاعر عن التحدث في موضوع القصيدة عن خوالج نفسه، أو بإفقار النفس من الخوالج في هذا الصدد
يقول في مطلع القصيدة
في سكون المساء والبحر ساج ... والسحاب العبير في الجو سار
كنت أرنو إلى الغروب وأروي ... ناظري من صبابة الأنوار