توريز المحامي الأشهر يدافع بجلسة ١٩ أكتوبر سنة ١٩٣٢ أمام استئناف الجنح عن موكله (فرمون) ضد (تاكوشيما) موكل هنري روبير، وكانت التهمة نصباً موجها ضد فرمون، وكان هنري روبير محامي المدعي المدني، وكانت نظرية توريز إن تاكوشيما سبق أن نصب على فرمون فجاء فرمون واصلح ما أفسده عليه تاكوشيما، واختتم دفاعه بكلمة مسرحية تخلب الألباب قال:
(. . . لقد كانت رواية: أما الفصل الأول فتاكوشيما يضرب فرمون، والفصل الثاني فرمون يضرب تاكوشيما. . .) وبينما هو يسترسل نادى هنري روبير بصوت ضخم: (. . . الفصل الثالث: المحكمة تضرب فرمون!!!!. .)
كان زعيم الارتجاليين كما قلنا، فما هو الارتجال إذن؟ أما ارتجال الفكرة فمجازفة بحقوق الناس، ووصمة للمحاماة، واستهتار بالقضاة؛ وأما ارتجال الألفاظ فذلك شيء آخر؛ والمحامي الذي يرتجل الكلام هو الذي يملك أعنة البلاغة، أو هو الذي حضر مرافعته مرات ومرات، أو هو الذي مرن على مواجهة الأحداث ومجابهة ما يفاجيء؛ وإذن فهو لا يرتجل وإنما هو يستخرج ما في مواهبه من كنوز غائرة تظهرها الحاجة، فهذا تحضير غير مباشر، وهذا هو بالطبع ما عناه شارل شني في محاضرته لفتيات الجامعة في سنة ١٩١١، إذ حدثهن عن حياته الأولى في المحاماة قال:(. . . وكنا جميعاً نساهم بنصيب ضخم في تلك الأكذوبة الشائعة وهي أننا نرتجل عفو البديهة كلاماً سهرنا في تحضيره طول الليل وأثناء النهار. .!!) وفي أواخر القرن الماضي أشار محام - كان عضواً في مجلس النواب - إلى أن القضاة سيسمعون من (باربو) مرافعة اصلها مكتوب، فصرخ باربو بصوته الداوي:(نعم إن احترامي لهذه الساحة يضطرني لتحضير ما أقول، لكن الذين لا يحضرون كلامهم ويملؤونه بالتناقض يجدون صدوراً رحبة في ساحة أخرى. .) وكانت الساحة الأخرى طبعاً مجلس النواب
كان هنري روبير يوصي المحامين دائماً بالاطلاع والاستعداد؛ كان يوصي بالقراءة دائماً وبالكتابة دائماً؛ كان يقول مثلما قيل من قبله: إن سر النجاح هو (أولاً: العمل، وثانياً: العمل، وثالثاً: العمل) ولقد يكون المحامي موهوباً وكله كفايات، فإذا لم يجدد نفسه ويزودها بالمعلومات وجد نفسه بعد سنوات أجوف فارغاً يردد اليوم ما يردده غداً. حدثنا النقيب