بايان عن شني وباربو أنهما قضيا نحو العشرين عاماً في زاوية من زوايا المحاماة لا يعرفها إشعاع النور؛ وفي تلك الأثناء كانا، وخاصة باربو يتسلحان بدراسة عميقة للعلوم والتاريخ؛ حتى إذا انقضى ثلث قرن كان باربو يفتح كراساته ليستخرج منها شواهد هي آية الآيات في المحاماة بل في الأدب الكلاسيك؛ ولكن روبير قد عرف الشهرة في مستهل حياته فهو لم يكن ينعم - أو يشقى - بما سماه الفراغ الإجباري للمحامين، ولكنه مع ذلك كان يجبر الزمان وصحته على أن يمنحانه الفراغ والعلم. وإذا رجعت إلى مؤلفاته وخصوصاً قضايا التاريخ الكبرى، تلك القضايا التي تعتبر القضية الواحدة منها دنيا كاملة في قرن كامل، عندئذ يتضح لك مبلغ ما اخذ به روبير نفسه من نصيحته للمحامين
إلى هذه الكفايات العظمى كان يضيف كفاءة خاصةً هي الخلق العظيم: هي التواضع. وقدْماً قال (لابروبير)(إن التواضع مع الكفاءة، كالظلال مع الصورة، تظهرها وتوضحها وتجلِّيها)
هكذا كان رجلنا مع رجال القضاء ومع الزملاء
هو قد سلخ قرابة نصف قرن يترافع أمام القضاة والنواب، ومع ذلك لم نسمع له بحادث واحدٍ كلابوري كما أسلفنا عنه المقال، أو كفيفياني حتى قُدم للمحاكمة وأوقف مدة لم تكد تنقضي حتى صار وزيرا للحقانية!! ثم صار رئيساً للوزراء! أو أميل أوليفييه، أو كأسلوب (برييه) عندما ترافع في قضية الثلاثة عشر فقال للنائب العام: (. . لا لست حسن النية في هذا الذي تقول؛ إن القوانين لا تطبق في هذه الأيام ولكنها تفسر دائماً بما لا تحتمله؛ إن النصوص ترهق كيما يُرهق بها الرجال.!) ولا كأسلوب فولتير عندما قال عن قضاة كالا: (. . لا تذكروني بهؤلاء القضاة الذين نصفهم قرود ونصفهم قضاة!) ذلك لان هنري روبير كان يعرف إن جلال المحاماة من جلال القضاء، وأن شخصية القاضي جزء من معنى القضاء لا ينفصلان. أما مع الزملاء فكان خير الزملاء، عطفا وأدباً وحسن وفاء. إليك ملفاته جميعاً، كلها ذكريات حلوة عن الزملاء والأساتذة. هذه أعذب العبارات يكتبها عن أستاذه درييه؛ وهذه أمداح تترى للنقيب مارتيني، وتقدير لا حد له للخالدين بوانكاريه وبارتو، ولدبوي وملران ولبريان ذي الصوت العذب عندما يترافع، وهذا إعجاب لا حد له بلابوري، وحب لشارل شني، وإكبار لباربو وروسو الخ. هذا الثبت الحافل من الرجال