الذين تتردد أسماؤهم في مؤلفاته. حتى إذا راودته المنية عن نفسه استمهلها ليكتب سطوراً لم تحل الوفاة بينها وبين الناس ليملأها مدحاً للقضاة ولرجال المحاماة في الأمس الدابر، وللمحاماة نفسها، تلك الآلهة التي طالما قدسها، تلك الغانية التي طالما عبدها واخلص لها الحب والعبادة بل التي ملأ الوجود الإنساني بكلام عنها يشبه الألحان
وبعدُ: فما هي المحاماة؟ (المحاماة أسمى مهمة في الدنيا) كما قال فولتير وكما قال أيضاً (كما كنت أرجو أن أكون محامياً) بل هي كما قال ماكس باتو (إن المحامي ملك)؛ ليست هذه العبارات لوحات أدبية معلقة؛ لكنها حقائق قائمة منتزعة من صميم الواقع؛ فانظر إلى المحامي وهو يترافع؛ لا إلى (برييه) وهو يترافع عن ملك مستقيل ضد ملك قائم، وعن ملك مخلوع ضد ملك منصب، ولا إلى ماليرب وزملائه وهم (يحملون إلى الكونفاتسيون الحقيقة ورأسهم) دفاعاً عن لويس السادس عشر، ولا إلى الهلباوي وهو يترافع في آخر القرن الماضي عن البرنس سيف الدين ضد ملك، وفي ١٩٣٣ عن البرنس محمد علي ضد من؟ أو في سنة ١٩١٤ عن خيري باشا ومحرم باشا وورائهما من كان ورائهما؛ ما إلى هؤلاء قصدت ولكن إلى المحامي الصغير - اعني الشاب، فليس في المحاماة صغير وكبير، بل فيها شاب ومكتهل - إلى المحامي الناشئ وهو يقف أمام المنصة، في محكمة الجنح أو أمام القاضي الجزئي؛ هو ذا يدلي بمرافعته بين الاحترام العام أو الإعجاب العام في بعض الأحوال، كلمات متزنة، وعباراتٍ واضحةٍ كلها إخلاص؛ مسموع الصوت مسموع الكلام، لكأنك به في ردائه الأسود، الكاهن الجليل في ساحة المعبد؛ الأعناق مهطعة إليه، والآمال معقودة عليه؛ ففي يده مستقبل أسرة أو ثروة فقير أو كرامة رجل أو عرض غانية؛ ولقد يكون المحامي في سبيل الدفاع عن موكليه قد ضحى ما ضحى، أضعاف أضعاف ما كسب، وهو قد يكون قد تقدم إلى الدفاع كما كان يتقدم أسلافنا الأولون، بدافع النجدة والمروءة وفي سبيل الشرف لا في مقابل المال؛ هو ذا يقف ببسالة أمام الطغيان، طغيان الأفراد أو طغيان الطبقات أو طغيان الأمة أو طغيان الحكومة ذاتها. . إنك تكاد تحسب عندئذ أن المروءة والبسالة قد اتخذتا شكل رجل يتكلم، حتى إذا انتهى من مرافعته أملى التاريخ إملاءة بسيطة ليسمع كلمة القضاء أو كلمة القدر
انظر إلى المحامي في تلك الصورة المصغرة التي رسمناها، وقل لنفسك مع ماكس باتو