للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقصود، لم يذكر شيء منه تبعاً ولا استطرادا

ولو قرا القارئ الآيتين الأوليين بأناة وروية، وتأمل فيهما على ما تقتضيه الفطرة العربية المستقيمة والذوق السليم، لتبين له إن الأمر بالإشهاد راجع إلى الأشياء الثلاثة المذكورة في الآيتين، وهي الطلاق: أي إنشاؤه، والإمساك بالمعروف: أي الرجعة، والمفارقة بالمعروف: أي إنفاذ الطلاق بتسريحها بإحسان عقيب انقضاء عدتها، وأنه لو كان المراد الأمر بالإشهاد عند إنشاء الطلاق فقط لكان موضع ذكره في صدر الآية الأولى عند قوله: (فطلوقوهن لعدتهن وأحصوا العدة)، أما تأخيره بعد ذكر الإمساك أو المفارقة فأنه صريح في عودته إلى جميع ما تقدم عليه

وهذا هو الذي فهمه اكثر العارفين باللغة والمتمكنين منها، ولم يستهجن أحد منهم عوده إلى الرجعة، ولا ادعي إنها ذكرت تبعاً واستطراداً، فابن عباس وعطاء والسدي وغيرهم فهموا أن الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً، ولذلك قال ابن حزم (فقرن عز وجل بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض)

وكذلك قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو من اعلم الناس باللغة وأفصحهم، فقد قال في كتاب الأم (ج٥ ص٢٢٦): (ينبغي لمن راجع أن يشهد شاهدين عدلين على الرجعة، لما أمر الله به من الشهادة، لئلا يموت قبل أن يقر بذلك؛ أو يموت قبل تعلم الرجعة بعد انقضاء عدتها، فلا يتوارثان إن لم تعلم الرجعة في العدة، ولئلا يتجاحدا أو يصيبها فتنزل منه إصابة غير زوجة)

وقال محمد بن جرير الطبري في التفسير (ج٢٨ ص٨٨): (وقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم. وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهن، وذلك هو رجعة)

وقال العلامة جار الله الزمخشري في الكشاف (ج٢ ص٤٠٣): (وأشهدوا يعني عند الرجعة والفرقة جميعاً، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة، كقوله: وأشهدوا إذا تبايعتم. وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة. وقيل فائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد، وألا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث)

وقال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط (ج٨ ص٢٨٢): (وأشهدوا: الظاهر وجوب الإشهاد على ما يقع من الإمساك وهو الرجعة، أو المفارقة وهي الطلاق. وهذا الإشهاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>