فضة قدورها تقديراً، ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً؛ عيناً فيها تسمى سلسبيلاً؛ ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثوراً؛ وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً: عاليَهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحُلُّوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً؛ إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً؛ أنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً، فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً؛ واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا، ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً؛ إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوما ثقيلاً. . . . . .) قال ابن القارح: وكان القارئ يتألم ويبكي، فخطر لي خاطر فقلت: أنا بضد هؤلاء القوم، صلوات الله عليهم!!، أنا لا أنذر، ولا أفي، ولا أخاف شقاء ولا عناء!!)
أفرأيت وسمعت؟! ابن القارح ضد هؤلاء القوم، صلوات الله عليهم، لا ينذر ولا يفي ولا يخاف شقاء ولا عناء!! ومع ذاك فهو من علماء المسلمين الذين يفهمون معاني الآيات، ويعرفون من هم أولئك الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. . . ابن القارح الذي ذكر في رسالته أنه يغتاظ على الزنادقة والملحدين والطاعنين في الأنبياء بغير الحق لا يهمه أن يكون بضد الأبرار المذكورين في سورة الدهر، ولا يهمه ألا ينذر ولا يفي فلا يخاف عناء ولا شقاء؟!
هنا مفتاح رسالة الغفران!!
ومن اجل ذلك كان عجبنا شديدا كيف أن أحداً من أدبائنا لم يلتفت إلى رسالة ابن القارح ليهتدي إلى الروح التي أملت رسالة الغفران. . لقد طرب أبو العلاء أيما طرب أن وجد أديباً مثله معجباً به يقدر أدبه وفلسفته وآراءه في الحياة والناس ويخاف مثله من مصارحة الناس بما يؤمن فيكتب بهذا الأسلوب المضمر الملغوز الذي يقول في أوله: إني اغتاظ على هؤلاء الزنادقة والملحدين مثل بشار والقصار والجنابي والحلاج ومن إليهم ممن يجدفون في الله وفي كتبه ويشككون الناس في أنبيائه؛ ثم يقول في آخره انه خطر له خاطر حين سمع قارئ سورة الدهر وهو يقرأ ويحزن ويبكي انه بضد هؤلاء الأبرار (صلوات الله عليهم؟!!) لأنه لا ينذر ولا يفي، ولا يخاف شقاء ولا عناء!
طرب أبو العلاء أيما طرب لأنه وجد رجلا مثله لا يؤمن بهذه الجنة التي عرضها السموات والأرض، ولا بهذه الأنهار من لبن وعسل وخمر، ولا بهذه العين السلسبيل، ولا