يصدر عنه هؤلاء الزنادقة من عتو وإلحاد والتماس الرفد والتوسل إلى المنفعة بالتدين. . وقد اشتهر عن أبى العلاء نفسه انه كان يتهم الأنبياء بمثل ما اتهم به ابن القارح الزنادقة من هذا الالتماس للرفد عن طريق الدين، واللزوميات تفيض بشواهد كثيرة على ذلك
ونحن لا ندري لم حشد ابن القارح هذا الحشد الكثير من الزنادقة في رسالته، وألم فيها بشر ما كان يصدر عنهم من تسفيه الانبياء، وسب الخلفاء، والتبرم بالإسلام والمسلمين؟ أليس كان يشير أبو العلاء إلى كثير مثل هذا في لزومياته؟
أسمع إلى هذا الرجل من يهود خيبر يعرض بموسى ويستهزئ بعمر حين أجلى أهل الذمة عن جزيرة العرب:
يصول أبو حفص علينا بِدِرّة ... رويدك إن المرء يطفو ويرسب
كأنك لم تتبع حمولة مأقطٍ ... لتشبع، إن الزاد شيء محبب
فلو كان موسى صادقاً ما ظهرتمو ... علينا، ولكن دولة لم تذهب
ونحن سبقنا كم إلى المين فاعرفوا ... لنا رتبة البادي الذي هو أكذب
مشيتم على آثارنا في طريقنا ... وبغيتكم في أن تسودوا وترهبوا
واسمع إلى الذي يسب أبا بكر لشدة ما نالته منه فرحل إلى بلاد الروم:
لحقت بأرض الروم غير مفكر ... بترك صلاة من عشاء ولا ظهر
فلا تتركوني من صبوح مدامة ... فما حرم الله السلاف من الخمر
إذا أمرت تيم بن مرة فيكمو ... فلا خير في أرض الحجاز ولا مصر
فإن يك إسلامي هو الحق والهدى ... فإني قد خليته لأبي بكر!!
وهكذا يحشد ابن القارح في رسالته كل ذلك الفحش من أقوال الزنادقة وهو يعرف أن أبا العلاء قد قال مثل ذلك في لزومياته، فكأنه قصد إلى أن يغني على عوده ويضرب وراء هواه،. . . ولا ينفعه بعد ذلك سبه لهؤلاء الزنادقة، هذا السب الذي يكاد يكون رشقاً بالورد وتحية بالريحان وتزويراً على القارئين
وبعد فموضوعنا دانتي وأبو العلاء، وهذا حديث طويل عن ابن القارح.،. ولكنه حديث عن السبب في كتابة رسالة الغفران سنحتاج إليه حين نتكلم عن السبب في كتابة الكوميدية الإلهية