إكبارها، والاختلاف إليها، لم يغير من سيرته شيئا كما لم تغير هي من سيرتها شيئا. فظلت مائدتها تقام يوم الاثنين والأربعاء من كل أسبوع، وظلت تختلف إلى الأوبرا والملاعب، وتشترك في الحفلات كما كانت تفعل من قبل. واتخذت لها رفيقة فتاة من أهل الأقاليم ولدت في أسرة شريفة ولكن مولدها لم يكن شرعيا، وكانت هذه الفتاة مدموازيل لسبيناس ذكية بارعة الذكاء، حساسة قوية الحس، مثقفة واسعة الثقافة، وكانت المودة بينها وبين سيدتها قوية متينة، دامت عشر سنين لم يكدر صفوها مكدر. ثم لاحظت صاحبة الدار أن زوارها أو فريقا منهم إذا انصرفوا عنها لم يخرجوا، وانما أتموا سمرهم عند الفتاة، فغاظها ذلك وكانت القطيعة بين الصديقتين، ولكنها لم تكن قطيعة مألوفة إنما كانت حدثا من أحداث العصر في باريس، انقسم له الأباء والفلاسفة انقساما عظيما، تعصب بعضهم للشيخة وتعصب بعضهم للفتاة، وكانت كثرة الفلاسفة وعلى رأسهم ' أنصار الفتاة وكانت الأرستقراطية المعتدلة والمحافظة من أنصار الشيخة.
ثم استأنفت الحياة المنظمة طريقها عند صاحبتنا، واتخذت الفتاة لها ناديا أو صالونا أدبيا واشتدت المنافسة بين هاتين المرأتين. وصاحبتنا الآن في الثامنة والستين من عمرها قد فقدت البصر منذ ثمان عشر عاما، وعظمت مكانتها في أوروبا حتى لم يكن عظيم من الأوروبيين يزور باريس ألا رأى حقا عليه لنفسه ولمكانته أن يلقاها ويتحدث إليها. وفي أكتوبر من هذه السنة١٧٦٥ زار باريس رجل من عظماء الإنجليز هو هوراس ولبول كان أبوه روبير وزيرا وكان هو عضوا في البرلمان. فلما مات أبوه ترك السياسة، وانصرف إلى الأب والفن، وكان في الخمسين من عمره. ولم ير هذا الرجل بدا من أن يزور صاحبتنا هذه ويغشي ناديها كما كان يغشي أندية الأب والسياسة كلها في باريس. فلما رأى هذه الشيخة أنكرها، وكتب إلى صديق له يصفها بأنها عجوز عمياء فاجرة العقل. على أن وقتا قصيرا لم يمض على هذه الزيارة حتى تغير الأمر بين هذا الإنجليزي وهذه الفرنسية، وتكررت الزيارة فوقع الإنجليزي من نفس هذه المرأة موقعا غريبا رد إليها الشاب بل رد إليها الصبي فأحبته. وأنا أعني بهذه الكلمة معناها. أحبته وقد أشرفت على السبعين ولم يرفض هو هذا الحب. ومن المحقق انه لم يلق هذا الحب بمثله، ولكنه أضمر لهذه المرأة مودة قوية صادقة لم تغيرها الأيام واظهر بها إعجابا لا حد له. واتصلت أسباب