ليسوي له شعره ويزيل عنه الشعث والأغبار فإذا بذلك الحلاق يدفعه إلى أحدث صبيانه وأقلهم مهارة ليتعلم الصناعة في رأسه. لا. لا. فاللهم حوالينا ولا علينا. فما كان لنا أن نلوم شباب اليوم كما يحب لنا الدكتور هيكل أن نفعل، بل إن علينا أن نحمد فيهم ذلك العقل الراجح وهذا الذوق الجميل الذي حدا بهم إلى تجنب النقد في هذه الأيام؛ وإنها لمفخرة لعصرنا أن موجة النقد قد ركدت فيه مادام ذلك النقد لا يقوى إلا إذا أخذ به الشباب الناشئ ليجعله وسيلة ليظهر للناس مقدرته على الكلام والكتابة وتدوير المعاني وتلفيفها
على أني أرجو أن يغفر لي النقاد إذا قلت لهم إن هذا العصر لا يشكرهم على يد أطول من انصرافهم عن النقد. فإن الأدباء قد وجدوا في صمتهم متنفساً. وإنها لفرصة لمن شاء أن يؤلف فليغتنمها المؤلفون في غفلة من الدهر. وأي شيء أعدل وأسمح من أن يؤلف المؤلف إذا شاء فإذا وجد من يقرأ له كان سعيداً مجدوداً. وللناس عقولهم، فإذا أعجبهم ما قرأوا له أقبلوا على مؤلفاته وألقوا إليه بأنواع التحية وأشاروا إليه بالبنان كلما رأوه كما كان يفعل الناس في الأعصر الخوالي. وأما إذا كره الناس ما قرأوا للمؤلف انصرفوا عنه، وحسبه بعد ذلك أن يخسر ما بذل من ثمن الحبر والورق والطبع. .
إن القوامة مكروهة أينما كانت؛ فإذا اتخذ النقد شكل القوامة كان حرياً بأن يكون مكروهاً. هذا إذا كان القيم ممن يحسنون السيطرة ويعدلون في الهيمنة - فما بالنا به إذا كان يسرف ويدل؟ وإلا فوايم الله إن من النقاد من لو حكمت في أمره لأمرت جميع بائعي الأقلام من كل الأنواع بأن يمتنعوا عن أن يبيعوه قلماً واحداً. وإني لأذكر أحد هؤلاء وهو ممن تزعموا في العروبة وقد نقد كتاباً مترجماً عن الإنجليزية في تاريخ مصر. ولم يشأ أن يجعل نقده لذلك الكتاب في مقالة مفردة فقرن بينه وبين كتاب في فن (الطهي الحديث) وأطايبه. ولقد رأيت ذلك الكاتب المفضال بعد ذلك يتنقل في النقد ما بين العلوم والفنون فضرب عافاه الله في التاريخ والتصوف والحديث واللغة والدين والفلسفة. ولا أعلم بعد إذا كان قد بلغ حضائر الطب والموسيقى والفلك أم هو سائر في طريقه إليها. ولم يكن هذا الناقد فذاً في هذا النهم العلمي! بل لقد رأيت علماً من أعلام النقد في مصر يستعرض سلسلة من المؤلفات ويبدي رأيه في كل منها، ويهز رأسه عند الانتهاء من نقد كل منها، ويلمس لحيته لمس الفلاسفة الأقدمين! وكأني به قد نسى أن العصر قد تقادم على عهد