به) فشرع لهما الخلعَ والمبارأة، وكانت المرأة به بائناً تملك أمر نفسها، وليس للرجل عليها حق المراجعة إلا بعقد جديد واتفاق آخر؛ ولم يكن عليه للمرأة حقوق أخرى من حقوق العقد، كالصداق والنفقة وغيرهما، إلا أن يتشارطا على شيء: فالمسلمون عند شروطهم)
(واختار الله لعباده - لحكمة سامية - أن يستثني النكاح من القاعدة العامة في فسخ العقود، فأباح للرجل أن ينفرد بفسخ هذا العقد بإرادته وحده، بشرائط خاصة ونظام واضح، ورَتَّب لكل من المتعاقدين حقوقاً قِبَلْ صاحبه، لا يجوز لأحدهما أن يتهرب منها. فمن وقف عند حدود الله وفَسَخَ عقد النكاح الذي بينه وبين زوجه في دائرة الحدود التي حدَّ الله له، كان قد استعمل حقاً يملكه بتمليك الله إياه، وجاز عمله، وترتبت عليه آثاره. ومن تجاوز حدود الله، واجترأ على حل عقدة النكاح على غير المنهج المرسوم له. كان عابثاً، وكان عمله باطلاً لغواً، كما إذا انفرد أحد المتعاقدين بإلغاء عقد البيع أو عقد الرهن مثلاً، فإن عمله لاغٍ لا أثر له في العقد. فكذلك المطلق في غير الحدود التي أذن فيها)
وقلت أيضاً (ص٧١): (إذنْ، فقد منح الله الرجلَ حق الانفراد بالطلاق، وهو حل لعقدة النكاح: بين الزوجين عقد كسائر العقود، وهو عقد الزواج، فإذا أراد أن يطلق بمحض إرادته وحده، فلن يملك من ذلك إلا أن يتبع أمر ربه الذي شرع له هذا الحق وأذنه به)
فهذا التفسير لمعنى الطلاق ولمعنى الرجعة هو المطابق كلَّ المطابقة لنصوص القرآن الكريم. ولمقاصد الشارع الحكيم، ولقواعد العقل السليم، وللفقه الصحيح في الدين. وليس من المعقول أن تترك هذه الشريعة الدقيقة - شريعةُ الطلاق والرجعة - لأهواء الناس وآرائهم وألاعيبهم في الألفاظ. إنما هي مقاصد سامية، تتعلق بأدق الشؤون الاجتماعية وأشدها خطراً في حياة الإنسان وأشرف الروابط بين الناس وأعلاها وأنفعها للنوع الإنساني، وهي رابطة الحياة الزوجية. (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودَّةً ورحمةً، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
فلم يكن الطلاق - في الشريعة الإسلامية - حقاً مطلقاً للرجل من غير قيد، كما يفهم ذلك أكثر الناس، بل عامتهم، وإنما هو مقيد بقيود كثيرة، بعضها قيود في نفس إنشاءه وإيقاعه، وهي شروط في صحته عندي وفي رأيي، وبعضها قيود تتعلق بحال المطلق وظروف طلاقه، وهي تعليم من الشارع وتأديب، لأنها ترجع إلى أمور نفسية وأحوال دقيقة في