المعايشة والمعاشرة، لا تدخل تحت القواعد القضائية التي تكاد تكون مادية، فجعل الرجل فيها أمينَ نفسه، ورقيباً على أعماله، أو جعلت تحت رقابة ضميره - كما يعبر الكتاب من أهل هذا العصر -
فإن أتبع في ذلك أوامر الله في كتابه وفي سنة رسوله ووقف عند حدود الله: كان طلاقه صحيحاً، وبريء من أثم العدوان في الطلاق، وإن لم يتبع ما أمر به، ولم يجعل طلاقه في الحدود التي حدت لإنشائه وإيقاعه، فكأنه لم يعمل شيئاً ولم يوقع طلاقاً، وإنما كسب خطيئة وإثماً بمخالفة أمر ربه
وإن جعل طلاقه في الحدود التي حدت للإنشاء والإيقاع ولكنه تجاوز في القيود الأخرى التي تتعلق بحاله وظروف طلاقه كان طلاقه واقعاً، ولكنه كان آثماً بمخالفته وعدوانه، لأن هذه الشؤون ليست مما يدخل تحت سلطان الحاكم وتقدير القاضي، وإنما يحاسب عليها بين يدي ربه يوم القيامة
لأن الشريعة الإسلامية يمتزج فيها - دائماً - التشريع القانوني القضائي بالشؤون الدينية النفسية والخلقية التهذيبية، وتجمع في أحكامها بين الوجوب أو الإباحة أو الندب أو الكراهة أو الحل أو الحرمة: وبين الصحة أو البطلان أو الفساد، وهكذا فهي شريعة ودين معاً
وكذلك الرجعة: ليست من حقوق الرجل بإطلاق من غير قيد، بل هي مقيدة بقيود كالطلاق، ولكنها أقل قيوداً منه، تيسيراً من الشارع الحكيم، وترغيباً في وصل ما انقطع من علائق الزوجية
فمن قيودها ما هو راجع لأصل إيقاع الفعل وإنشاءه، فيكون شرطاً في صحته، وكلها منصوص عليه في القرآن نصاً: فمن ذلك ما اتفق عليه أهل العلم ولم ينقل فيه خلاف عن أحد منهم، وهو أن تكون المطلقة مَدْخولاً بها، وألا يكون ذلك بعد الطلقة الثالثة، وأن تكون الرجعة وهي في عدة المطلق
ومن ذلك ما اختلف فيه، واخترنا انه شرط في صحة الخلع أيضاً ونصرنا القول به، وهو أن تكون الرجعة بإشهاد شاهدين على ما بينا أنفاً، (واشهدوا ذوي عدل منكم) وأن يريد برجعتها إصلاح ما أفسد الطلاق، وإصلاح حاله وحالها (وبعولتهن أحقّ بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) لا يقصد بها الإضرار والعدوان (ولا تمسكونهن ضراراً لتعتدوا)