للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد بيّنا ذلك في كتابنا بوضوح (ص١٢١ - ١٢٤) ومما قلنا هناك: (إن الطلاق والرجعة بإرادة الرجل وحدة عملان مستثنيان من القواعد العامة، أذنه الله بهما بصفات خاصة فلا يملك منهما إلا ما أُذِنَ به. والشأن هنا في الرجعة أقوى، لأن الله سبحانه جعل الرجلَ أَحَقَّ بها بشرط صريح، وهو إرادة الإصلاح، فإذا تخلف الشرط لم يكن الرجل أحقَّ بردها، فصار لا يملك هذا الحق)

وهذا الذي اخترناه وذهبنا إليه لا ينافي ما ذكره أستاذنا شيخ الشريعة (مما هو أدق وأحق بالاعتبار، من حيث الحكمة الشرعية، والفلسفة الإسلامية، وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها)، لأن القيود التي قيد بها حق الطلاق أوثق وأقوى مما اشترط في صحة الرجعة، (على القاعدة المعروفة من أن الشيء إذا كثرت قيوده، عزَّ أو قَلَّ وجوده)

وما اشترط في صحة الرجعة إنما اشترط ضماناً لبقاء الحياة الزوجية صحيحة سالمة من إرادة العبث بها، وبعداً بها عن مواطن الشبهات، وعن الأضرار بالمرأة عن إرادة النكول والجحد لإضاعة حقها

ولست أظن أني بحاجة إلى بيان وجه (الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية) في اشتراط إرادة الإصلاح في صحتها، إذ هو واضح بالبداهة، وصريح من نص الكتاب الكريم

وأما اشتراط الأشهاد فأنه ليس قيداً يفوت به مقصد الشارع في تقليل وقوع الطلاق والفرقة، وفي إرادة التعجيل بالرجعة، وإنما هو شرط يقيد في ضمان ثباتها وبقائها، وفي حفظ عزة المرأة وكرامتها

فالرجل حين يطلق يُشهد على طلاقه، وهو إعلان له واثبات، ثم يذهبُ فيراجع سرّاً من غير حضرة الشاهدين؛ ولعله قد يبدو له أن يندم على رجعته، أو يرى له فائدةً مادية حقيرة في إنكار ما فعله وجَحده، وتعجز المرأة عن إثبات حقها واثبات إجرامه، ولا ترى لها شاهداً ولا دليلاً؛ وقد يفعل ذلك ورثتُه إذا مات قبل إعلان رجعته، فيضيع في الحالين حقها، وتهدر كرامتها، ويُمس عرضها، وهي عاجزة في أول أمرها وآخره

ولو رأى الأستاذ - حفظه الله - ما نرى في مجالس القضاء من ألاعيب الناس وحيلهم، وإقدامهم على إضاعة الحقوق، وحرصهم على أكل أموالهم بينهم بالباطل، وجرأتهم على تعدي حدود الله، لعلم أن هذه الشروط ليست قيوداً يعزُّ معها وجود الرجعة أو يقلُّ، ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>