يقولون إن الراح للفكر صيقل ... وربك ما في الراح عقل ولا فكر
فإن خلو الراح من العقل والفكر لا يمنع من أن تصقل الفكر، وهناك كثير من الأشياء تصقل الفكر وليس لها عقل ولا فكر
الشباب
والأستاذ حسين شفيق المصري لا يذكر الشباب إلا بالهوى والشراب كأن الشباب ليس فيه ما يذكر وما يتحسر عليه إلا الأوانس والحميا، فهو يقول في المطلع:
تذكر بعد أن شاب الشبابا ... فأنَّ وقد دعاه فما أجابا
وشاقته الأوانس والحميا ... فود من التشوق لو تصابى
وليس في القصيدة ذكر للشباب بغير اللهو والمجون، فهي لا تعني الشباب إلا بما فيه من التماجن، أما ما يلابس الشباب من نواحي الجد فلا أثر له فيها
والقصيدة عليها مسحة من الجودة، وفيها أبيات مطربة كقوله في وصف الكأس والنديم:
أيا حزناً عليَّ ولست أنسى ... ليالي كنت أحسوها شرابا
ينادمني غضيض الطرف صاح ... ذكي يستبيك إذا تغابى
يميل بكأسه يسقيك منها ... صفاء بعد أن رشف الحبابا
فلا أدري أكانت من رحيق ... كنفح الطيب أم كانت رضابا
سحرت وهل شرابك غير سحر ... وضوء الشمس بين يديك ذابا
حنانك أَبق من عقلي قليلاً ... لأعلم حين تسألني الجوابا
وهذا في الحق إبداع وفي قوله: (ذكي يستبيك إذا تغابى) جمال يستبيك
وشعر الأستاذ حسين شفيق خفيف الظل، تشييع فيه روح الفكاهة. ويظهر أن هذه الروح تلازمه حتى أنك تجدها في التحسر على سالف الشباب، وكم هو ظريف في قوله:
ومن يكتم حساب سنيه يوماً ... فصفحة وجهه تبدي الحسابا
كأن صفحة الوجه (عداد) للسنين. . .
وهو في هذا البيت:
ولولا أن يقال دهاه مس ... فخولط ما تأبيت الخضابا
لا يأبى الخضاب إلا خشية اللوم، أي أن الخضاب عنده إن لم يكن يوده فهو أمر لا غبار