للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويقترب رئيس الخورس من الملك فيقول: (الحق قلت، والحق دائماً تقول!)

ويتقدم هايمون إلى أبيه الملك، ويشهق شهقة هادئة ويقول:

- (مولاي! السداد بذرة صالحة تغرسها الآلهة في نفوس الصالحين! ألا كبرت كلمة أن أقول إنك أخطأت يا أبي! ولكني كابنك الأمين أرى لزاماً على أن أتقصى أقوال الناس وأفعالهم، بل وآراءهم أيضاً في ملكي الذي هو والدي؛ وأكبر ظني أن سلطان الملك يلجم أفواه الناس فما يحيرون؛ بيد أنني سمعت همساً أن الطيبيين على بكرة أبيهم يذرفون الدمع مدراراً من أجل الفتاة التي أمرت بإعدامها، وإنهم يرون في قضية القتيل رأيها ويؤيدونها كل التأييد. على أنها ماذا صنعت هذه الفتاة؟! لقد دفنت أخاها الذي غودر مضرجا بدمه، معفراً بثرى الجلبة، وأشفقت أن تدعه لكلاب الفلاة وبواشق الطير تنوشه وتغتذي به. . . . ألا وآلهة الأولمب إنها بالمكافأة أخلق، وبالعطف والإعجاب أحرى! بذلك تتلحلج ألسن القوم يا أبتاه، وهم يرددونه في كل مكان، فمن لك بمن يبلغك أقاويلهم غير ابنك الذي يحرص على سمعتك ونقائك كما تجهد أنت أن تبني له مستقبله وشهرته!! أبداً لا تسمع للذين يفتنونك عن نفسك حين يقولون لك أنك لا تعمل إلا الصواب ولا تنطق عن الهوى. فمثل ذلك لا يكون بشراً، في حين يخطئ البشر ويصيبون! ألا وأن من يدعي أنه أحكم الناس وأطيبهم كلمة يكتشف لك إذا خبرته عن خواء، وعن فؤاد هواء! أبي! ليس في الاصاخة للحق ما يُخجل، ولا في الرجوع عن الخطل ما يخزي! ألا وإن أضعف الكلأ ليقف لسيل العرم لأنه يلين له، في حين يجرف سيل العرم أذهب الدوح في السماء لأنه يأبى أن يلين لشيء! ألا وأن الملامح الذي لا يرخي العنان لهوج الرياح يكسر قلاعه ويفقد في اللجة آماله، فأي عار في أن تلين يا أعز الآباء؟! أنني ما أدعي الحكمة، ولا أقول بعلم كل شيء، ولكنك غذوتني، ونشأتني على الرأي السديد والتبصر، فأنا أعظك أن تكون ممن لا يرى إلا رأيه، أو يتبع هواه فيردى!)

ويلمح رئيس الخورس وجوماً بين الأب وابنه فيتدخل قائلاً:

- (مولاي! لا ضير أن تصغي لما في نصيحته من حق وأنت يا هايمون ينبغي أن تنتفع بتجاريب مولاك!)

فيقول الملك: (ها. . . هاها. . . بعد هذه السنين وذلك الشيب يرشدنا هذا الصبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>