وتصنيفها لحرمنا إلى الأبد من هذه المراجع والوثائق الهامة. ولقد كان المغرب الأقصى حتى عصر المقري أعظم مستودع لتراث الأندلس الأدبي؛ وكانت مكاتب المغرب، ولا سيما مكتبة الأشراف السعديين، عامرة إلى ذلك العهد بكثير من الآثار الأندلسية النادرة؛ وكان لمولاي زيدان سلطان فاس لعهد المقري شغف خاص بجمع الكتب النادرة؛ وقد انتفع المقري بهذا التراث الحافل؛ واغترف منه وقيد ما شاء؛ ولكن الظاهر أيضاً أن هذا التراث قد بدد معظمه بعدئذ بقليل؛ ذلك انه قد حدث في أواخر عهد مولاي زيدان حادث يخيل إلينا انه ذو علاقة مباشرة بضياع الآثار الأندلسية؛ وذلك أن السفن الأسبانية أسرت مركباً مغربية مشحونة بآلاف من الكتب والتحف المملوكة لمولاي زيدان، وحملت شحنتها إلى إسبانيا؛ ويشير السلاوي في تاريخه إلى ذلك الحادث نقلاً عن الرواية الأسبانية، فيقول:(وقال منويل إن قراصين الأصبنيول غنمت في بعض الأيام مركباً للسلطان زيدان فيه آثار نفيسة من جملتها ثلاثة آلاف سفر من كتب الدين والآداب والفلسفة وغير ذلك) وتقول الرواية الأسبانية إن وقوع هذا الحادث كان في عهد فيليب الثالث ملك أسبانيا (١٥٩٨ - ١٦٢١م)؛ والظاهر انه وقع نحو سنة ١٠٣٠هـ (١٦٣٠م) حينما اشتد اضطراب العلائق بين أسبانيا والمملكة الشريفية؛ وعلى أي حال فقد حملت كتب مولاي زيدان، وهي بلا ريب أنفس مجموعة من نوعها، إلى أسبانيا، وأودعت في دير الأسكوريال إلى جانب بقية التراث الأندلسي التي كانت مودعة فيه منذ سقوط غر ناطة، فاجتمع بذلك الأسكوريال نحو عشرة آلاف مخطوط عربي معظمها من تراث الأندلس؛ ولكن محنة نزلت بهذا التراث النفيس، وقد شبت النار في الأسكوريال سنة ١٦٧١، والتهمت معظم الكتب العربية، ولم يبقى منها سوى ألفين؛ وبقيت ضمن هذه المجموعات عدة من كتب مولاي زيدان لا تزال إلى يومنا في الأسكوريال
وهذا فيما نعتقد هو السر في اختفاء الآثار الأندلسية التي كانت تحفل بها قواعد المغرب ومكاتبه في عصر المقري؛ وقد جمع المقري مادته ودون مذكراته أثناء مقامه بفاس بين سنتي ١٠١٣ - ١٠١٧هـ (١٦٠٣ - ١٦١٦م)، وكان بذلك من أواخر أولئك الذين استطاعوا من أدباء جيله أن يظفروا بمراجعة هذا التراث والانتفاع به. ومما يدل على أن المقري انتفع بنوع خاص بالمراجعة في مكتبه مولاي زيدان التي فقدت، أنه ينقل عن