يمدها بالغذاء الطبيعي الحي الذي يمكن أن يتمثل فيها، ويبعث فيها الحياة ماضية قوية، ولكنه ألقمها أحجاراً جامدة إن لم تقضي عليها فلم تبعث فيها شيئا من معاني الحياة الصحيحة
ولقد بقي لنا من عصر الحملة الفرنسية وثيقة من الوثائق التي تؤيد هذا المعنى تأييداً تاماً، وهي رسالة كتبها بخطه شيخ الإسلام ورئيس الديوان، الشيخ عبد الله الشرقاوي وهي حجة قاطعة في قيمة التعاليم النحوية من ناحية أثرها في تقويم اللسان وإصلاح اللغة على الأسلوب العربي، فلن يشك أحد في أن الشيخ الشرقاوي قد تلقى من (النحو) أوفر ما كان يتلقى في ذلك العهد
وهذه ملاحظة ظاهرة جلية لا نكاد نحسب أحداً يجادلنا فيها أو يخالفنا عليها، وقد لاحظها من قبل العلامة الدقيق ابن خلدون، فقال في مقدمته، بعد أن قرر أن العلم بقوانين الإعراب إنما هو علم بكيفية العمل وليس هو نفس العمل:(ولذلك نجد كثيراً من جهابذة النحاة والمهرة في صناعة العربية المحيطين علما بتلك القوانين إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذي مودته أو شكوى ظلامة أو قصد من قصوده أخطأ فيهما عن الصواب، وأكثر من اللحن، ولم يُجد تأليف الكلام لذلك، والعبارة عن المقصود على أساليب اللسان العربي. وكذا نجد كثيراً ممن يحسن هذه الملكة، ويجيد الفنين من المنظوم والمنثور، وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول، ولا المرفوع من المجرور، ولا شيئاً من قوانين صناعة العربية)
فليس عجيباً إذا ما يروي لنا من أن رجلاً جاء لابن خالويه - وهو من هو! - فقال له: أريد أن تعلمني من النحو والعربية ما أقيم به لساني. فقال له أبن خالويه: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو! ما تعلمت ما أقيم به لساني
فالأمر في اللغة هو أمر سليقة يجب أن تربى، وملكة يجب أن تكوَّن. ولن يكون ذلك بواسطة النحو، فانه قواعد ميتة، بل بواسطة البيان والأدب الذي هو مظهر اللغة ومجلى حيويتها. أما النحو الذي أبى على ابن خالويه أن يقوم لسانه، فلا مطمع لنا في أن يجدي علينا ما أباه على ذلكم الإمام
وكيف كانوا يقومون ألسنتهم عندما بدأت السلائق تضعف والألسنة تضطرب؟ كانوا - كما