- ظاهراً جلياً في كل نواحي النقد، لا في النقد الأدبي وحده. فإن نزعتنا هذه قد تجلت بينة في النقد السياسي على الأخص، حتى لقد اتهم النقاد السياسيون في مراميهم وأوذوا في سمعتهم السياسية، لا لشيء إلا لأنهم نقدوا على غير مذهب، وكتبوا على غير نظرية سياسية، ومضوا يتكلمون في السياسة وليس أمامهم غاية عامة نهائية يرمون إليها، اللهم إلا أن تستقر الأحوال على صورة تقر ما كان قائماً قبل انقلاب حدث ولو كان ما يطلب الرجوع إليه من نظام فيه من أوجه النقد ما لا يقل قيمة أو أثراً عما يراد إدالته من نظام قائم
على أن ما ترى في النقد السياسي من شيوعية في المرامي واستهتارية في الغايات، قد تراه بذاته في أكثر النقود الأدبية التي تجري بها أقلام الذين يتصدون للنقد في هذا العصر. وما السبب في هذا إلاّ أننا نزعنا في النقد النزعة التقديرية، فأوسعنا المجال للخيال دون العقل، وفتحنا الباب على مصراعيه للذوق وحده، من غير أن نجعل للذوق ضابطاً من القيود المنطقية أو النظريات المقررة أو الحقائق الجامدة
لقد عاب الأستاذ أحمد أمين على النقاد أن ينتقدوا ما ليس من اختصاصهم، وأن الكاتب الأدبي عندنا يرى أنه يستطيع أن ينقد في يوم واحد كتاباً في تاريخ نابليون، وكتابا عن جزيرة العرب، وديوان شعر! ولا مرية في أن الأستاذ على حق فيما يقول. أما السبب في هذه الفوضى الغامرة فالذي أذهب إليه من أن النقد عندنا قد نزع النزعة التقديرية دون النزعة التقريرية. وهل أسهل من أن أقول إن كتاباً عن نابليون ضعيف الأسلوب، وإن كتاباً عن جزيرة العرب ثقيل الظل، وإن ديوان شعر بارد الأنفاس؟ ولكن غاب عن الأستاذ حقيقة أخرى هي أن الأدب والنقد عندنا، لقلة ما لهما من ضوابط وقواعد، قد هيأ للكتاب والنقاد سبيل الانسلاخ في هيئات جديدة تقتضيها ظروف الأحوال. فهذا كاتب سياسي أصبح مؤرخاً. وذاك مؤرخ أصبح شاعراً. وثالث كان أديباً فأصبح سياسياً، ثم ارتد ناقداً، ثم انسلخ في صورة ديماجوج، يضرب على نغمات تحبها آذان الجماهير. ورابع كان صحفيا فأصبح مصلحاً سياسياً. وخامس كان لاشيء أصلاً فأصبح علماً يشار إليه بالبنان في جميع ما تتخيل أن إنساناً يستطيع أن يبرز فيه من علم وفلسفة وأدب وفن، وما الله به أعلم من مظاهر الكفاية. وإن واحداً صار نصير الإنسانية، وآخر أصبح سادن الدين، وثالثاً