كان في حلب بنو حمدان وهم علوية، وأنقرض الأغالبة في المغرب فدعى للفاطميين في رقاده من أرض القيروان سنة ٢٩٦ وهم ينتسبون إلى فاطمة، وكل خارج على الدولة إنما كان يدعو الناس إلى الرضى من آل محمد، وكان في تعاليم الشيعة ما يحفز الطامحين إلى شق العصا: كلٌّ يدعي انه الإمام المنتظر
وأعظم النحل تسلطاً ونفوذاً يومئذ ثلاث: الباطنية والشيعة والحنابلة، وهؤلاء الأخيرون انحصر سلطانهم في بغداد فترة من الزمن فقط، بينما انبث دعاة الشيعة والباطنية في كثير من الأقطار. وكان أهول الجميع خطراً وأبعدهم أثراً القرامطة، وهم طائفة مؤولة باطنية حلولية، جعلوا للشرع ظاهراً وباطناً، وبنوا مذهبهم على تأويل الأحكام والآيات. ظهروا ٢٧٨هـ وانتشروا بالشام وسواد الكوفة ثم اشتد أمرهم حتى زحفوا على حمص، وخضعت لهم دمشق على جزية، ثم زحفوا إلى الكوفة وعظم خطرهم وتفاقم شرهم، وعجز جند الخلافة عن إخضاعهم (وما زال أمرهم إلى قوة حتى استولوا على أكثر بلاد الفرات وأسسوا دولة بالبحرين، ودحروا جيوش الخليفة المقتدر، وثارت منهم طائفة في نواحي الحجاز، فانقطع الحج سنين خوفاً منهم. ولما أرسل إليهم المقتدر جيشاً بقيادة منصور الديلمي دحروه وقتلوا الحجاج يوم التروية في المسجد الحرام قتلاً ذريعاً وطرحوا القتلى في بئر زمزم، واقتلع زعيمهم الحجر الأسود من مكانه في الكعبة، وأخذه معه إلى هجر حيث بقي اثنين وعشرين عام حتى رد إلى مكانه أيام المطيع العباسي سنة ٣٩٣)
ذكر المعري في رسالة الغفران:(أن للقرامطة بالأحساء بيتاً يزعمون أن إمامهم يخرج منه ويقيمون على باب ذلك البيت فرساً بسرج ولجام، ويقولون للهمج والطغام: (هذا الفرس لركاب المهدي يركبه متى ظهر.) وإنما غرضهم بذلك خدع وتعليل، وتوصل إلى المملكة وتضليل. ومن أعجب ما سمعت أن بعض رؤساء القرامطة في الدهر القديم لما حضرته المنية، جمع أصحابه وجعل يقول لهم لما أحس بالموت:(إني قد عزمت على النقلة وقد كنت بعثت موسى وعيسى ومحمداً، ولا بد لي أن أبعث غير هؤلاء) فعليه اللعنة، لقد كفر أعظم الكفر في الساعة التي يؤمن فيها الكافر، ويؤوب إلى آخرته المسافر) أهـ
نجد أن القرامطة أخذوا بالحلول والتناسخ المتسربين إلى المسلمين من الهند وفارس، وشاركوا بعض فرق الشيعة في فكرة الإمام المنتظر، وأصبح من ديدن كل داعية إلى بدعة