أو خروج على سلطان، أن ينتسب إلى علي رضي الله عنه، أو أن يدعو إلى الرضى من آل محمد إن تعذرت عليه النسبة مباشرة. وكثر هؤلاء الدعاة والخارجون، وفشت فاشيتهم حتى امتلأت حوادث تلك الأيام بذكرهم. وكان سقوط هيبة الخلافة وانحلال العصبية العربية من أهم العوامل في كثرة تلك الطوائف والانقسامات. وأصبحت الدنيا في كل مكان لمن غلب، وجهر المتغلبون وجنودهم بضروب من المناكر أنفذت صبر البقية الصالحة، فثار في بغداد جماعة من الحنابلة، واضطرمت قلوبهم بالغيرة على الدين من أن تنتهك محارمه، فأجمعوا أمرهم وانتظموا معسكرات تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر بالقوة والسلاح؛ واستفحل شأنهم وقويت شوكتهم، حتى صاروا يكبسون بيوت القواد والعامة فحيثما (وجدوا مسكراً أراقوه، أو مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء.) ولم يطل بهم الزمان حتى أذعنوا لمؤثرات العصر، فتسرب إلى جماعات منهم أقوال هي إلى الحلول والتشبيه، واندس في غمارهم - على ما يظهر - أناس ليسوا منهم، فعظمت أذيتهم على الناس، فتقدم إليهم الخليفة بالإنذار فما أفاد، فأضطر إلى قمعهم بالقوة وإراحة الناس منهم
هذا إلى أناس كثيرين جعلوا الدين وسيلة إلى الدنيا يتاجرون به متاجرة، فيوماً تراهم معتزلة ويوماً شيعة؛ وحيناً باطنية وتارة حلولية يقولون بالتناسخ، يميلون مع الريح حيث مالت، ويعرضون في كل سوق ما يروج فيها، لا يرجعون إلى عقيدة، ولا يصدرون عن إيمان، بل هم أبداً متقلبون (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم)
تلك هي حال الدين في عصر أبي الطيب وفي البلاد التي حل فيها. فما ظنكم بفتى دون العشرين من عمره، يتوقد الذكاء، ويتفجر فصاحة، طماح مغامر، يعشق السيادة، وينشد المجد بكل قوته، التفت حوله فما رأى إلا جماهير بلا عقل، تتبع كل ناعق، عليهم رؤساء جهال، لا علم لهم ولا فضل ولا أدب، ما فهم على كثرتهم من يقاربه في ذكائه ومواهبه وعظم نفسه، ثم أبصر سوق الدعوات رائجة كل الرواج، وكان في طبيعة كثير منهم ما يدعو الطامح إلى محاولة السيادة عن طريق الدين
شاء هذا الفتى أن يقيم نسبة بين دعوتهم ودعوته تتسق هي والفرق بينهم وبينه، فإذا كان فيهم من ادعى انه الإمام المنتظر، والمهدي، أو الرضى، فان النسبة تقضي أن يدعي النبوة دفعة واحدة، وقد فعل