للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جسمية تقابلها عاطفة روحية.

- ٣ -

ولنترك الآن كشف المحجوبلنقف وقفة قصيرة عند الكتاب الثاني الذي أريد أن أحدثك عنه وأعني به (عوارف المعارف) ويمتاز هذا الكتاب بأنه أكثر تقسيما وأوفر تنظيما من سابقه. ثم هو أقدر على أظهارنا على منشأ العلوم الصوفية والإبانة عن آداب المتصوفة ومذاهبهم وأخبارهم وأقوالهم بحيث يمكن اعتباره كتاباتعليميا بكل معاني الكلمة. وليس أدل على قيمة هذا الكتاب من أن ويلبرفورس كلارك قد ترجمه. ومن أن بعض المستشرقين ينظر إليه كأنه تحفة أدبية لها قيمتهابين الأسفار العربية الكلاسيكية التي تسودها روح المنطق ويسيطر عليهاأسلوب البحث والاستقصاء. ومن أن البارونكارا دي فو قد تكلم عن هذا الكتابفي مؤلفه عن الغزالي ثم أعاد الحديث عنه مرة أخرى في كتابه (مفكري الإسلام). فهذا كله يظهرك على ما للكتاب من خطر وما فيه من غناء.

أما مؤلف الكتاب فهو شهاب الدين السهروردي أحد أعقاب أبي بكر رضيالله عنه. كان تلميذا لعمه أبي النجيب وللصوفي المعروف عبد القادر الجيلي. وكان شيخا لمشايخ بغداد. التف حوله عدد ضخم من المتصوفة والزهاد وله غير مؤلفه الذي نحن بصدده طائفة لابأس بها من الأشعار، مات في بغداد سنة ٦٣٢هجرية. وأبو النجيب عم المؤلف الذي أشرنا إليه آنفا صوفي أيضا. أورد شهاب الدين الذي ذكرهكثيرا في كتابه فهو يبدأ كل أبواب هذا الكتاب أو جلها بهذه العبارة: (حدثنا شيخنا شيخ الإسلام) يعني عمه.

وقد كتب عنه ياقوت في معجمه مقالا بديعا اعتبره فيه أذكى أبناء سهرورد. سافر في شبابه إلى بغداد حيث درس الشريعة والفقه. ثم إلى أصفهان. وكان يعمل كسقاء ولم يكن يعيش إلا من عرق جبينه. وبعد أسفاره هذه عاد إلى بغداد حيث كان يلقى تلاميذه الذين درسوا عليه الشريعة وحيث تولى رياسة النظامية. ثم قصد بعد هذا إلى دمشق سنة ٥٥٨ هـ حيث أولاه نور الدين الزنجانى شرفاً كبيراً. وهناك أسس طائفة من الصوفية، ويعقّب ياقوت على كلامه عن أبي النجيب بقوله: أن ابن أخيه مؤلف عوارف المعارف كان من أبرز شخصيات عصره لما له من مواهب، ولما كان عليه من صلاح وتقوى، أجلّه الخليفة الناصر وخلع عليه لقب شيخ مشايخ بغداد. ولهذا الخليفة ألّف شهاب الدين السهروردى

<<  <  ج:
ص:  >  >>