وخرجت تدب على عصاها حتى بلغت الباب فنظرت في الظلام وصاحت صيحة الفزع:
- من هذا الذي يسأل عن الرجل الذي مات منذ خمس عشرة سنة
فلما سمع الشيخ ما تقول وجم ولم ينطق
- فأقبلت نحو الضوء، حتى إذا اقتربت من الرجل رجعت تصيح بصوت مرعب:
- من أنت؟ قل لي من أنت أيها الرجل؟ ماذا تريد؟
- قال: أنا يا حاجة صفية، أنا؟
- من أنت؟ تعال، تعال إلى النور حتى أراك، فلما رأته واستبانته، صاحت:
- آه
- قال: هل عرفتني؟
- قالت: آه كيف لا أعرفك يا سيدي، ولكن. . . كلا كلا. أنا واهمة، هذا مستحيل. قل لي حالاً من أنت؟
- أنا ناظم. . . ذاك الذي كان يدعى يوماً ما ناظم باشا، ذاك الذي كان والي الشام. . . ألا تذكرين يا صفية كيف كنت تلعبين في رحبة القصر وأنت صبية صغيرة؟ وكيف كنت تتسلقين الأشجار وتطاردين الغزال الذي كان في الحديقة؟ هل تذكرين؟. . . حتى إذا مللت وتعبت عدت مع أبيك محمد أفندي إلى الدار
- آه يا مولاي آه! إذن أنت هو! لم أكن مخطئة. قل لي يا سيدي أين أنت؟ وما جاء بك؟ لا لا ادخل أولاً! أهلاً وسهلاً، ليس عندي شيء أقدمه لك، ليس عندي شيء
وانطلقت تبكي. . .
- إني عجوز فقيرة ليس لها إلا الله، لم يعد يسأل عنا أحد بعدك. إنني سأموت فقيرة تحت أثقال ذهب الجيران، وأختنق جائعة برائحة اللحم. إن هذه القصور ستبتلع كوخي الذي لم يبق غيره. . .
وألحت في البكاء. . .
إنني لا أستطيع أن أضع لك شيئاً، آه ليتني مت قبل أن أراك يا مولاي على هذه الحال
فمسح الباشا دموعه، وقال لها:
- ولكني لا أحتاج شيئاً. أنا في نعمة، وإنما جئت أزورك. والآن وداعاً. . .