إلى الشاعر من المعاني السامية والروائع الوطنية التي ضمنها القصيدة، والتي ألهمته إياها مصر، كما قال:
أبدا يلج بك الحني ... ن لذات ملهمة الحنين
فجعل يبعث إيحاءه إلى النفوس فتمتلئ بما امتلأت به نفسه وتتأثر بما تأثرت به. وهاهو ذا يقول فيما تعانيه مصر من سالبي حريتها:
قل للذي بر اليمي ... ن على يديه ردى اليمين
أضنى المئين من الوعو ... د الخلف أو فوق المئين
أنت الذي أفتى السجي ... ن بحسن منقلب السجين
وضع القيود وقال ما ... أشجى رنينك من رنين
فاشرب على شدو الحدي ... د حلاوة الرق الحنون
واغنم رخاء الطوق جا ... ور حبله حبل الوتين
فترى في هذا الشعر آلام مصر مصورة تصويراً دقيقاً، تنتظمه الروح المصرية الصميمة، تكسو كل ذلك أردية عربية متينة. وقوله: (فاشرب على شدو الحديد. . الخ) من الشعر المرقِص
وقد ظهر لي مأخذ في الأبيات الآتية، وهو من المآخذ التي لا تظهر إلا في الشعر الجيد، قال يخاطب مصر:
أجريت فيض مدامع ... من نيلك الباكي الحزين
حمراء حيناً كالدم ال ... جاري على الداء الكمين
فإذا تطامن جأشك ان ... هملت كصافية الشؤون
فهو يقول إن المدامع تكون حمراء في حين، ولم يبين هذا الحين، ثم يقول إذا تطامن الجأش انهملت الدموع صافية، فكيف تنهمل الدموع في حالة سكون الجأش؟ إن الدموع لا تكون إلا في حالة الاضطراب وجيشان العاطفة، أما احمرارها وصفاؤها فيكونان على درجتين من درجات الاضطراب؛ على أن الصفاء لا يقابل الاحمرار ولا يقاسمه، فقد يكون الأحمر صافياً والصافي أحمر
أنة شاعر