المالية وصار بحكمها في الرق والعبودية لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له ولا مالية فيه ولا منفعة مبثوثة عليه، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها فلذلك تبعها، كما لو أكل رجل تمراً في أرض رجل وسقطت منه نواةٌ في الأرض من يد الآكل فصارت نخلة فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل بإجماع من الأمة لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها، وهذا من البدائع. . ومنها قوله: كان بمدينة السلام إمام من الصوفية وأيُ إمام يعرف بابن عطاء، فتكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما ينسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة، فقال: يا شيخ، يا سيدنا، إذن يوسف همّ وما تمّ، فقال: نعم لأن العناية من ثم. . . فانظروا إلى حلاوة العالم والمتعلم، وفطنة العامي في سؤاله، والعلم في اختصاره واستيفائه؛ ولذا قال علماؤنا الصوفية إن فائدة قوله تعالى: ولما بلغ اشده آتيناه حكماً وعلماً أن الله أعطاه العلم والحكمة أيام غلبة الشهوة ليكون له سبباً للعصمة. . . ومنها قوله: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي حديث أبي ثعلبة المرفوع: إن من ورائكم أياماً للعامل فيها أجر خمسين منكم. فقال: بل منهم. فقال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون عليه أعواناً. . . وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، أقاموا المنار، وافتتحوا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. . فتراجعنا القول وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح، وخلاصته: أن الصحابة رضي الله عنهم كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها أحد ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلَّصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام، وهو أيضاً انتهاؤه. وقد كان قليلاً في ابتداء الإسلام صعب المرام لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان يعود كذلك لوعد الصادق صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان وظهور الفتن وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب كما قال صلى الله عليه وسلم: لتركَبُنَّ سَنن مَن قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحْر ضب خرب