المفاوضة في لندن، في مصر أثناء المفاوضة، بعد عودة الأعضاء، الوزارة العدلية، العودة، الخلاف على المفاوضة، القطيعة بين سعد والوزارة، فضل المفاوضات الرسمية، النفي، تصريح ٢٨ فبراير، من المنفى إلى الوزارة، في رآسة الوزارة، الملك فؤاد وسعد، من رآسة الوزارة إلى رآسة النواب، في رياسة مجلس النواب
وهذه الفصول الطوال تنتظم التاريخ المعاصر كله لمصر الحديثة في صور حية رائعة تتعاقب على أنظارنا وكأنما كاتبها لا يخط أحرفاً وإنما يرسم تهاويل مجسمة كالتي اشتهر برسمها على جدران المعابد شيخ الرسامين ميشيل انجيلو. على أنه يتخللها هنا وهناك مواقف شتى يقف فيها الفنان موقف المحلل الشارح، كما يلبس أحياناً رداء المدره المنافح
ويختتم المؤلف كتابه كما استهله بفصول دقيقة عميقة لا تتاح لغيره عن زعامة سعد وأثرها، وعن سعد وخصومه، وعن شخصيته وأخلاقه، وعن ثقافته. ويبلغ العقاد منتهى حنو العاطفة في كلامه عن سعد في بيته، ومبلغ حدبه على أهله، وكيف كانت السيدة الجليلة أم المصريين بنفسها المحبة وفطنتها الألمعية وقلبها الكبير، شريكته بحق في حياته ومجده. وكذلك يعرض عليك المؤلف الناحية اللينة إلى جانب الناحية الصلبة في وصفه للقاء الأول واللقاء الأخير. وأما كلمته عن فاجعة الوفاة فإنها في عبارتها الصادقة المؤثرة يطالعها القارئ فيغلبه التأثر مهما يكن جلده، فإذا هو لا يملك وجده، وإذا الدمع يخنقه والزفرة تكظ صدره ثم لا تبرح ذهنه هذه الصورة آخر العمر:
(ثم ضعف النبض دفعة واحدة، بعد انتظامه في جميع الأدوار الماضية، فغلب اليأس على الرجاء. وعاده الأطباء للمرة الأخيرة في التاسعة والدقيقة الخامسة والأربعين، ونزلوا إلى المكتب لكتابة تقريرهم الأخير. وإنهم لكذلك، إذ دعي فتح الله بركات باشا إلى غرفة خاله وهو يجود بنفسه في غيبوبة لم تنقطع منذ الصباح. فاشرأبت الأعناق وأمسك الناس أنفاسهم يترقبون. وما هي إلا دقائق معدودات حتى عاد فتح الله باشا إلى المكتب يمشي كالشيخ الهائم شاحب الوجه مذهول العينين. ولم يجرؤ أحدٌ على سؤاله مخافة أن يكون الجواب المحذور. ولكنهم علّقوا أنظارهم جميعاً بعينيه ولبثوا شاخصين ينتظرون. دقيقة واحدة أو دقيقتين، ولكنهما كانتا من أزمان الأبد في روع الشاخصين المنتظرين. وفي تلك اللحظة ارتفع صوت ناحب عند الشرفة المطلة على المكتب، فضرب فتح الله باشا يديه