ويستكشف (حي) مبدأين: المادة والصورة؛ بواسطتها يتوصل إلى اكتشاف وجود الله، فاعتبر:(أن كل حادث لابد له من محدث) فتلمس هذا المحدث في المحسوسات فلم يعثرعليه، وانتقلت فكرته إلى الإجرام السماوية ورسخ في ذهنه أنها تعقل ذواتها، وأنها صادرة عن فلك واحد وهو الأعلى. وهنا يجب علينا أن نقف قليلا ونشير إلى هذه النظرية التي كانت شائعة عند اليونان والتي اقتبسها العرب ولا سيما ابن سينا، ووسعوا دائرتها. فانهم اعتقدوا أن الإجرام السماوية تعقل وتحيا وفيها العقل الفعال الصادر عن الله عز وجل، وأن الله يعلم ما في الكون بواسطتها وهي أشرف الموجودات. وقديما دعوها أنصاف آلهة. ونتجاوز عن تفنيد هذه النظرية الخرافية التي تعد (إلى جنب المباحث الفلكية العصرية) خرافة من خرافات القدماء.
ولما عرف (حي) حقيقة نفسه وأنها غير جسمانية وبها عرف (الموجود الواجب الوجود) حدث له شوق حثيث إلى معرفة الخالق عساه يراه، فشرع في تفحص الأعمالالتي تقربه إلى الله عز وجل، فوجد أن الطريقة المثلى هي: في ترك المادة وتثقيف الروح التي هي مبدأ روحاني صادر عن الله تعالى، ولما كان يعلم أن الإجرام السماوية تعرف الله، التمس لنفسه الصلاح بالتأسي بها ليتوصل إليه. وهنا يعتنق حيي مذهب الاتصال وترويض النفس والعزوف عن الأشياء المادية كما كان يفعل متصوفة المشرق، الا أن هناك فرقاً كبيراً بين المذهبين يجب أن تنتبه إليه أيها القارئ ألا وهو: أن المتصوفين يصلون إلى الله عز وجل عن طريق العاطفة الدينية والعلم الإلهي؛ أما حي المتصوف النظري فيتصل بالله عز وجل عن طريقالبحث والنظر، ويجهل تماما طرق الصوفية الدينية، وعلى هذا المذهب مذهب التصوف النظري سار فلاسفة الأندلس فولدوا بذلك نزعة جديدة ضد التصوف الديني الشرقي. على أن ابن الطفيل إن اختلف مذهبا لم يختلف عنهم نتيجة بل أدى به هذا المذهب إلى القول بالفناء والحلول، ولكنه حلول معتدل مغشى بستار القصة الخيالي. فانه عندما يفنى حي في الذات الإلهية ويوشك أن يعتقد أن ذاته لا تغاير ذات الله، وأنه هو الله. يبادر ابن الطفيل ليبدد هذا الاعتقاد، ويقول على لسان بطله (حي): إن هذه الهواجس التي عرضت له وأقنعته أنه ذات الحق، لم تكن الا من بقايا المادة والأشياء الدنيوية. وهذه النظرية هي ما ندعوها بنظرية الشمول ` نريد أننبحث في مثل هذه النظريات الإلهية