البلاغة إذن ألزم اللزوميات للمترافع، ولكن ما البلاغة؟ وبعبارة أخرى - حتى لا تظن أننا قد شردنا عن الموضوع الذي نعالجه - كيف يجب أن تكون لغة المترافع.
احترام قواعد اللغة
من العبث أن ينبه منبه على ضرورة احترام قواعد اللسان الذي يستعمله المترافع أداة للإقناع. إنه يخاطب في الغالب هيئات نالت حظاً يذكر من الثقافة العامة، وإنه ليحترم هذه الثقافة إذا هو نزه سمعهم عن لغة السوق والغوغاء فكلمهم بلسان سليم يحترم فيه قواعد النحو والصرف.
محل اللغة العامية في المرافعات
ولكن أمعنى هذا أنه يجب نبذ اللغة العامية وإقصاؤها عن المرافعات حتى ولو طهرت من سفساف القول وخلت من كل ما يؤذي السمع؟
الحال تختلف في مصر عنها في غالب البلاد الأوربية، فهناك تتكلم الطبقة الراقية (ومنها المترافعون عادة) بعين اللغة التي يكتبون بها ويقرأون. صحيح أن المتكلم لا يعني باختيار اللفظ وصقل الكلام عنايته بهذين الأمرين إذا كتب؛ وصحيح أن لغة الارتجال ما تزال تختلف اليوم عن لغة التحرير، فالأولى تسمع والثانية تقرأ، ولكن مجرى اللسان في الحالتين واحد فلا يميز بينهما إلا الضليع في اللغة.
وليس الأمر كذلك في مصر، فنحن - وأعني طبقة المتعلمين - نستعمل إلى اليوم في بيوتنا وفي حديثنا مع أصدقائنا بل وفي تفكيرنا إذا خلونا إلى أنفسنا لغة نعدل بها عدولاً ظاهراً إذا وقفنا للدفاع أو جلسنا للكتابة.
فهل يجب أن نمضي في هذه السبيل إلى نهايتها؟ وهل يجب إقصاء اللغة العامية عن