فيحدث دانتي عما يكون من مظهر الصالحين من عباد الله بعد البعث. ثم يعرجان إلى السماء الخامسة التي هي مارس (المريخ) في زعم دانتي، ويريان ثمة أرواح الشهداء الذين حاربوا تحت رايات الصليب الخفاقة، ولم يخشوا في سبيل ربهم أن يجرعوا غصص الموت. . . أولئك قد بدت عليهم سيماء الصليب، وما تفتأ أرواحهم ترسل في الفردوس أناشيد الخلود المرنة تطريباً لعباد الله السعداء. (١٥) ويبرز من بين الملأ سلف دانتي الصالح كاشيا جيداً، ويأخذ مكانه تحت الصليب، ثم يتعرف إلى دانتي الذي يفرح به ويهش للقائه، ويأخذ في حديث طويل عن ماضي فلورنسا السعيد الحافل وينعى على الخلف ما فرطوا في جانب الوطن وما أوضعوا في الفتنة، ومرجوا في الضلالة (١٦) ويخبر دانتي عن يوم ميلاده، ويصف له مجد فلورنسا ومدى حدودها في أيامه والأسر العريقة التي كانت تزدان بها تلك المدينة الشيقة التي انحطت أرومتها وفسد طيب محتدها واتضعت أقدار القروم من أهلها الأعلين (١٧) ويرسل كاشيا جيدا حبل القول فيتنبأ لدانتي عما يتربص به من غدرات الزمان والنفي من حظيرة الوطن حين يعود أدراجه إلى الحياة الدنيا. ثم ينتحي ناحية ويتناول طرساً من أوراق الجنة، وقلما من قصباتها ويشرع في كتابة شعر طويل ريق. (١٨) ويمضيان فيريان طوائف شتى من أرواح المحاربين الشهداء الذين خاضوا معامع الحروب الصليبية يمرحون في أفياء الجنات الوارفة التي يهتز عنها المريخ؛ ثم ترسل بياتريس عينيها العميقتين في لازورد السماء، وتشير إلى دانتي فيعرجان في الأثير إلى جوبيتر (المشتري) الذي هو السماء السادسة في حساب شاعر الكوميدية وهناك يلقيان جموعاً زاخرة من أرواح الصالحين الذين حكموا بين الناس بالعدل ووزنوا بالقسطاط المستقيم. ويكون هؤلاء أنَّى توجهوا مكونين دائماً شكل نسر (رمز رومة القديمة). ثم ينتهي الفصل بحملة شعواء على رجال الأكليروس وما اشتهروا به من الطمع وحب الذات والتكالب على حطام الدنيا وجمع الأموال بالحق وبغير الحق؛ ويخص دانتي رجال البابا بالقدح الأكبر من هذه الحملة (١٩) ويتكلم النسر الذي تكوّنه هذه الجماعة بلسان واحد مبين، فيقص على دانتي السبب الذي من أجله اتُّخذ رمزاً لعظمة الرومان. ثم يتكلم دانتي كلام المتشكك عما إذا كان محتملاً أن (يَخْلُصَ) الرجل من الناس من عذاب الجحيم من غير أن يكون مؤمناً بالمسيح مصدقاً به، فينبري النسري للإجابة ويزيل الريب