الغيرة عليها، وكان يغيظه منها كثرة الخطابات التي ترسلها إلى القاهرة والتي تصل منها، وكانت هي لا تبالي أن تقع هذه الخطابات في يده فيقرؤها، ويمزق منها ما يشاء، ويبقي على ما يشاء ويرد إليها ما يشاء. ولكن خطاباً واحداً أهاجه بما حمل إلى سمية من عبارات ليس يصدر مثلها إلا عن فؤاد العاشق ولا يستطيع أن يكتبها إلا قلم وامق. . . وإن تكن التي كتبته امرأة كما يُظَن من الإمضاء.
(ومن عَلِيّة هذه التي تكتب هذا الأسلوب المتهدج يا سمية؟)
(الأسلوب المتهدج؟)
(آي. . . الأسلوب الذي يخفق بحبك، ويتنزل كالوحي عليك؟)
(جمال! ماذا تريد أن تقول؟)
(لا شيء! ولكني أعبدك يا سمية! أعبدك! أسمعتِ!)
(بل أنت تعذبني بشكوكك!
(فقط أريد أن أعرف من علية هذه؟)
(أقسم لك بدموعنا إنها فتاة. . . ولكن لا تعرفها!)
(. . . . . .؟. . . . . .)
وذهب جمال إلى (المصلحة) وغادر سمية تجتر آلامها وحدها؛ وكان قد أهدى إليها صورته يوم أن تقاسما على أن يكون كل منهما للآخر، وكانت سمية تعتز بهذه الصورة أيما اعتزاز، لأنها كانت تذكرها بالقلب الذي نبض بحبها غير مشوب بغرض دنيء، كما كانت تذكرها بأول نبضة خفق بها قلبها بحب بريء. . . فكانت تدمن النظر إليها وتبكي. . .
وعاد جمال مرة من عمله مغضباً حانقاً، لأن لئيماً من أصدقائه عرف أنه تزوج من سمية فكتب إليه خطاباً بإمضاء مستعار يهيجه به، ويذكر له من تاريخ صاحبته ما يريد أن يفصم به عرى تلك الرابطة التي ربطت قلبيهما، فتعجل جمال موعد انصرافه، ويرجع إلى المنزل ليرى رأيه في سمية، وليضع حداً لافتتانه بها، وليخلص ضميره المعذب من هذا الشقاء الطويل.
وكان يحمل معه مفتاحاً لسكنه، وكان كل مرة يفتح الباب دون أن يسمعه أحد، وكان بذلك يؤلم سمية غاية الإيلام، لأنها كانت تعتقد أنه يتجسس عليها.