(نحن المحامين نعالج آلام الناس ونرافقهم في شقائهم، ولهذا نرتدي الثوب الأسود ونقف في هذا المكان المنخفض. فإذا ما أعيانا التعب جلسنا على هذا الحجر الصلب فيزيدنا تعباً. فنحن حقيقة بؤساء، رفقاء البؤساء. ولكن برغم هذه المظاهر الخداعة فأن الذي في قلبه إيمان بالحق يرتفع من هذا المركز المتواضع إلى السمو الذي لا حد له. ذلك لأن عماده كله الحق، ولأن مأمورية المحامي تمثل حق الدفاع المقدس. والقداسة لا تحتاج لسلطة ولا تحتاج لمظهر قوة بل هي جميلة، جميلة بنفسها مهما كانت مظاهرها. مظاهر التعس والتواضع، ولأن المحامي مأموريته التي تسمو به إلى أقصى ما يعرف من معاني السمو هي أن يوجه ضمير القاضي وأن يحدثه فيما يصح أن يتجه إليه عدله. فحقيقة لا يوجد سمو آخر يمكن أن يتصور.
قلت هذا لا تفاخراً بموقف المحامي، لأن الذي يدرك واجبه ليس في حاجة - بل عيب عليه - أن يفخر، لكني قلته ليعلم حضرة القاضي أني أعاهد نفسي بألا أعرف لها كرامة إلا إذا تقدمت إلى ضميره بكلمة الحق، وفي هذا السبيل فليقفني في الكلام حضرة وكيل النيابة في الوقت الذي يريده. إلى أن قال:
(إن التحقيق ليس هو ما يكتب لا. لا. التحقيق هو أولاً وبالذات الضمانات، احترام الكفالات التي قررها القانون في حق المتهم. كيف تستجوبه؟ من هو الشخص الذي وضع فيه الشارع ثقته في أن يتلقى هذا المتهم المسكين وديعة في يده ليتصرف في شأنه، لعله يعنفه، لعله يخدعه، لعله يمنيه، لعله يخيفه أو يهدده. فحتى لا تكون قداسة القضاء مستندة إلى تلك الطرق المخجلة المعيبة قال المشرع إن المتهم في حماية النيابة وحدها، والمتهم أول ما تقر به النيابة تستجوبه في ساعات ٢٤ ساعة. والمتهم إذا حبسته له ضمانه معينة. والمتهم يا سيدي القاضي لا يقابله أحد في سجنه حتى إذا أراد المحامي أن يقابله. المحامي ممثل حق الدفاع إن رأى أن يقابله ليأخذ سر هذا المسكين، لا يقابله إلا بإذن.
ولكن ماذا جرى في هذه الدعوى؟ جرى أن المتهمين جميعاً قذف بهم يا حضرة القاضي إلى هوة من النار).
ويذكرني تلمس مواضع الإحساس هنا بما يرويه هنري روبير عن سلفه العظيم لاشو إذ