للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فخفف حدة النظرية الاشتراكية، وأعلم الفلاح والتاجر الصغير بأن حزبه لا يريد وضع يده على جميع الأملاك والثروات، بل على رؤوس الأموال الكبيرة؛ وأنه يعتبر المالك والتاجر الصغيرين ضمن طبقة العمال، والاشتراكية تحترم أملاكهم. . . وهكذا تقرب مسيو بلوم وحزبه من هذه الطبقة التي كانت تعاضد الحزب الراديكالي وانتزع قسماً كبيراً منها.

ثم خفف الحزب الاشتراكي حدة ثورته على السياسة القومية، وأخذ يقول بوجوب الدفاع عن الوطن، ولم يردد نغمة الاشتراكية الدولية في خطاباته. . . فجميع هذه العوامل الإيجابية أدت إلى فوز هذا الحزب، كما أنها كانت أسباباً سلبية لإضعاف الحزب الراديكالي.

وكان لتفوق (الجبهة الشعبية) بصورة عامة على أحزاب الوسط واليمين أسباب عدة.

كانت الأزمة المالية، ولا سيما أزمة ميزانية الحكومة، شديدة على فرنسا طيلة السنين الأربع الأخيرة، وقد حاولت الحكومات السابقة حلها في تطبيق نظرية (الاقتصاد في كل شيء) فلم توفق. وعملها هذا أرغم الفرنسي على اختلاف مقدرته المالية على الاقتصاد والتقتير على نفسه وعائلته، فقلل ذلك تداول العملة من جهة، وزاد في الأزمة الاقتصادية وفي البطالة من جهة ثانية. وقد سئم الشعب الفرنسي هذه السياسة المالية ولم يرد مجابهة أزمات ١٩٢٦ و١٩٣٤ من جديد، وود اتباع تجربة اقتصادية جديدة آملاً أن تكون نتيجتها حل الأزمة وإعادة الرخاء. فعمل على التخلص من النظام البرلماني القديم الذي أفسدته الأكثريات السابقة، فأرسل إلى مجلس النواب أكثرية يسرى مؤلفة من عناصر جديدة شابة، إذ أن ما يقرب من نصف أعضاء المجلس الجديد لم يشتركوا فيه من قبل. وهذه النفسية عملت كثيراً على خذلان الراديكاليين وإضعاف أحزاب الوسط، وضياع شهرة عدد كبير من رجال أحزاب اليمين.

وقد ساعد مسيو لافال كثيراً في فوز هذه الجبهة! فالسياسة التي اتبعها في جنيف، والتي أدت إلى إضعاف مركز العصبة، إن لم يكن زوالها، وإلى إبعاد باريس عن لندن، والتي مهدت للهر هتلر الطريق لاحتلال أراضي الرين، لم ترض الفرنسيين الذين يعتقدون بأن لا سلامة لفرنسا إلا بتقوية مؤسسة جنيف ومبدأ (السلام المشترك)، وهم أكثرية الشعب. ولما أتت الساعة لإبداء رأيهم حكموا على سياسته بإعطاء أخصامه وسيلة الحكم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>