في أسمال بالية وثياب مهلهلة، فنظر فيه سقراط متفرِّساً زمناً ثم خاطبه بلهجة صارمة: أيها الأثيني الشاب، إني لأكاد أرى الغرور والكبرياء ينزَّان من اهابك، ويطلاَّن من وراء كل خرق ورقعة من ثيابك!
تلك بعض المظاهر المسرفة لدافع توكيد الذات. وأما مظاهره الطبيعية التي لا إغراب فيها ولا شذوذ فتقع في أشكال وألوان عديدة لا تقل عن مظاهر الشذوذ والغرابة.
من ذلك هذا الميل العام الشامل لدى جميع الأمم والأجناس إلى التقسيم والتدريج وتأليف الطبقات يتميز بعضها من بعض ويعلو بعضها بعضاً، ثم هذا السعي الدائب والاشرئباب الدائم من الناس إلى تغيير الأمكنة وتبديل المنازل حيث يستحب التغيير والتبديل، ثم ذلك الجمود على ذات الحال والحرص على البقاء في ذات المنزلة حيث لا يشتهى التغيير والانتقال، ولعله ما كان يتحوَّل أبناء الطبقة من الطبقات ولا يتزحزحون عن محلهم صعوداً ولا هبوطاً لو خلا الناس من حافز توكيد الذات والاستباق إلى الأمكنة العلية والمنازل البارزة.
وكما يقع التزاحم على المنازل الرفيعة بين الطبقات يقع كذلك بين الأجناس والأمم والممالك والدول. ولعل دافعاً قوياً من دوافع الحروب كان يزول لو زالت من النفوس رغبة الامتياز وهوى الاستعلاء.
وفي الناحية الفردية يظهر الميل إلى توكيد الذات توكيداً طبيعياً مقبولاً في مظاهر عديدة؛ منها رغبة التميز والتبذير في الاكتشاف والاختراع والإبداع الفني والأدبي؛ ومنها رغبة البروز والامتياز في مجال الاقتصاد وجمع الثروة؛ ومنها حب الغلب والانتصار في ميادين الرياضة البدنية من محاضرة ومصارعة وملاكمة وخلافها؛ ومنها - كذلك - حب الانتصار في ميادين الرياضة العقلية والترويح عن النفس بالنكتة البارعة والفكاهة الطليقة والهزل المستجد؛ ومنها حب التبريز والسمو في ميادين القيادة الاجتماعية؛ ومنها شهوة التغلب والقهر في ميادين الحب والغزل، ومنها خلاف هذا شيء كثير.
فرغبة الامتياز وشهرة البروز في ميادين العلم والاكتشاف والاختراع، وفي ميداني الإبداع الفني والأدبي، هي في أول دوافع الإنشاء والإبداع العلمي والفني. وليست الرغبة في الاختراع والاكتشاف، وفي الإبداع الفني ناجمة فقط مما ركب في النفوس من غرائز