الاستغراب وحب الطرافة وما يكون من تسامي دوافع الغريزة الجنسية من مستواها الحسي إلى مستوى أعلى وأجل، إنما هي ناجمة إلى حد كبير مما رُكِّب في الطباع من ميل قوي إلى تقرير الذات والتغلب على الصعاب والعقبات.
وفي مجال جمع الثروة وحشد المال مظهر توكيد الذات ما تراه من عدم وقوف الناس في جمع الثروة عند الحد الذي ييسر جميع مطالب العيش وأسباب الرفاه والدعة. فالمرء يعمل أولاً لرد غائلة الجوع وسد الحاجات الضرورية، فإذا تيسر له مقدار من الثراء يحقق له سد الحاجة وطرد الفاقة انتقل حافز الإنتاج من مجال الحس إلى مجال الشعور، وغدا هدف الإنتاج وتكثيره لذة التميز والانفراد بالشيء. ومن هنا قلما نرى ربّا من أرباب المال يعتريه الفتور والوناء في الجمع والإنتاج، لأن في ذلك وسيلة صامتة يكاثر بها الأعداء ويراغم الخصوم ويدل على الأقران. وهذا الدافع لا ريب يفسر لنا تفسيراً مقبولاً كثيراً من أنواع الاستملاك السخيف، كشهوة جمع الطوابع وتواقيع العظماء ومخطوطات الكتاب، وخلاف هذا مما لا قيمة له في ذاته، وإنما كل قيمته ما يشعر مالكه بلذة الانفراد بالشيء والامتياز عن الناس ولو بالسخيف الذي لا قيمة له في ذاته ولا وزن.
وفي ميادين الرياضة البدنية من أثر هذا الدافع أن اللاعبين والمتثاقفين والمتحاضرين يقررون أشخاصهم ويؤكدون ذواتهم لدى النظارة والمشاهدين. ولولا ذلك لظلت الألعاب الرياضية ظاهرة فردية أكثر منها ظاهرة اجتماعية. وأنت تلمس أثر ذلك جيداً من الحماس الذي يستولي على قلوب اللاعبين كلما كثر عدد المشاهدين وزاد تحريضهم وتحمسهم للاعبين. ولو كان ترويض الأجسام وحده هو المقصود من الألعاب الرياضية لاكتفى اللاعبون بملاعبة ذواتهم ومثاقفة أنفسهم وحسب.
وفي ميدان الرياضة العقلية والترويح عن النفس بالنكتة والهزل يقع هذا الميل موقعاً أول. وما يؤلف من نكتة ويروج من نادرة ويذيع من فكاهة مرجعه في الأصل ميل النفوس إلى التسرية بالظهور والبروز والاستعلاء على الخصم المشهود أو الغائب. فنحن إذ نضحك من موضوع النادرة أو الفكاهة، إنما نضحك لأنها تضع لنا شخصاً أو أشخاصاً موضعاً غريباً ضعيفاً يثير فينا حس الاستعلاء والبراءة من الغفلة أو الجهل أو البقاء. على أن النادرة - في الأحوال الطبيعية - تعجز العجز كله أن تستثير الضحك فينا إذا بلغ الضعف في