موضوعها حس الاستعلاء، ويثير بديلاً منه حس الإشفاق والخشية أن يصيب هذا الموضوع شرٌّ أو أذى بليغ. ومن هنا قد يصور لك الكاتب صورة هزلية تستثير الضحك والابتسام، ولكنك لا يسعك إلا أن تجم وتكف عن الابتسام والضحك متى بلغ كاتبك بموضوع هزله حداً مخطراً كأن يتعرض لخطر أكيد أو يضحى على حال تدعو إلى الإشفاق والأسى، ولن يعيدك إلى استشعار الغبطة والسرور إلا أن يعيد لك الكاتب موضوع هزله إلى مثل حاله الأولى التي لا تبلغ من القوة إضعاف حس الاستعلاء فيك ولا تبلغ من الضعف توليد حس الإشفاق والأسى في نفسك.
والميل إلى توكيد الذات وما يستتبعه من شهوة البروز ورغبة الاستعلاء تعمل عملها الأكيد في ميدان العمل الاجتماعي وفي مجال القيادة الاجتماعية، إذ كان الانقياد وحب التعاون يستحيلان على الجمهور إذا لم يقم فيه القادة الذين يفرضون ذواتهم فرضاً على الناس ويقودونهم قيادة حازمة قوية إلى حيث يشاءون لهم من رفعة وخير وصلاح.
وقد يستدرك القارئ هنا ويسأل: أيكون الميل إلى توكيد الذات وشهوة البروز في مجال القيادة والزعامة عامل خير ووسيلة صلاح في ميادين العمل الاجتماعي، ونحن نشهد من آثارهما هذا الميل المسرف والتكالب المزري على أسباب البروز والرفعة في ميادين الزعامة المختلفة، وإن يكن ذلك - في كثير الأحيان - على حساب الأماني العامة وإهدار المصالح الكبرى للشعب؟
ونجيب أن الميل إلى توكيد الذات عن طريق السيادة الاجتماعية ككل ميل آخر من ميول النفس يضحي أداة فاسدة ووسيلة هادمة إذا خبثت النفوس وأسفت الغاية، وعلى أن في يد الشعب - في معظم أمره - القدرة على كبح هذا الميل وحصره ضمن حدود الصالح العام، بما يداول من ثقته بين الزعماء والقادة وبما يشهر بالقيادة النفعية المتاجرة وبما يوليها من المقت والمحاسبة الشديدة، مما يقمع في القيادة عواطف الأثرة وحب الانتهاز والاستغلال حيث تهم أن تبرز وتستعلن. ولا مراء في أن الانتهاز والاستغلال عن طريق القيادة الاجتماعية يقلان في شرفنا إجمالاً قلة مطردة بما تحدثه التربية من رفع مستوى التعليم والتنبه الفكري وتعميق غور العواطف الاجتماعية.
وأخيراً أثر هذا الميل في ميدان الحب، فنرى أن دافع توكيد الذات هذا يعمل عمله القوي