وغير هذا فانهم يختزنون هذا العصير في أبان تخمره في زجاجات مقفلة سنتين وثلاثا فينحبس بها غاز الكاربون الناشئ من التخمر تحت ضغط كبير، لذا تفور الشمبانيا عند فتحها، ولذا كان طعمها حريفاً كالكازوزة بسبب هذا الغاز ومقدار الكحول الذي بها كالذي بالنبيذ تقريبا.
ويوجد عدا هذه من الأشربة الروحية أنواع لا حصر لها يختلف مقدار الكحول الذي بها اختلافا كبيرا، ومن ذلك الوسكي ويحضر من تخمير الحبوب ثم تقطيرها، والكونياك ويحضر بتقطير النبيذ ولذلك ترتفع نسبة الكحول بكليهما إلى ٣٠ و ٦٠ في المائة. ومن الناس من يتخذ من كحول الحريق شرابا وهو يحتوي نحوا من ٩٠ في المائة من الكحول الخالص ويضيفون إليه أصباغا وزيوت تجعله غير سائغ في الحلق، ولكن حلوق الجهال من الفقراء يسوغ فيها كل كريه مر. ويشرب المرء الخمر كائنة ما كانت فتمتص المعدة فالأمعاء الكحول امتصاصا سريعا فيذهب إلى الدم ثم إلى كل غشاء من أغشية الجسم فيحترق فيها إلى غاز الكاربون والماء احتراقا سريعا كذلك، ولا تبقى منه بالجسم بقية، فهو ليس بطعام بالمعنى المعروف ويخرج مقدار من الكحول قد يعلو إلى ٨ في المائة في البول ومن الرئة في التنفس، لذلك تشم رائحته في الفم. ومن الناس من يسترق الشراب ثم يحسب أن رائحته علقت بأشداقه فيغسل فاه حاسبا أنه قد تستر، ويسير في الناس مطمئنا ورئتاه تدفعان بالسر في صوت جهير ابلغ من صوت الشفاه.
ويتعاطى الناس الكحول للأثر الذي يكون منه في المخ والأعصاب فأول ما يحدثه نشوة تثور فيها قوى المخ فيشتد الفكر ويحتد الخيال ولكنه فكر ثائر وخيال مضطرب، وتزول عن الإنسان أثناء ذلك الدقة في العمل ويقل ضبطه للأمور فتكثر الأخطاء. قام الأستاذ (دلنج) أستاذ فن العقاقير بجامعة ليفربول بتجارب على زوجه فكان يسقيها مقادير مختلفة من الكحول ويملي عليها قطعا تكتبها على الآلة الكاتبة ويعدّ الأخطاء. وخرج من ذلك على علاقات طريفة بين مقادير الكحول وبين الأخطاء الناتجة دلت في مجموعها على أنه بالرغم من حدة الذهن وسرعة الإلهام تقل قدرة الضبط في الإنسان. قيل لشاعر فكه في ذلك فقال: إذن لا بأس عليّ من الخمر، استوحي بها في الليل، وأصحح أخطاء الوحي بالنهار. ولعل من اجل هذا أن من الشعراء والكتاب من كان لا يكتب إلا إذا شرب، وذلك