تلك هي مهمة القاضي ككاتب. وليس يستسهلها إلا جاهل بأعباء الكتابة ومشاقها.
خصائص لغة الأحكام
لكل قلم قوته، ولكل كاتب طريقته، فمن العبث أن نضع قواعد مطلقة لصياغة الأحكام. الأمر قبل كل شيء حسن ذوق وحسن تصرف، ولكن للغة الأحكام مع ذلك مميزات يجب التنويه بها.
حسن اختيار اللفظ ودقة الأداء
المفهوم في الأحكام أنها نتيجة أعمال فكرة وتمعن، يصيغها القاضي وهو جالس إلى مكتبه لا تواجهه أنظار شاخصة ولا تتعجله وجوه مستحثة. فليس يغتفر له ما قد يغتفر للمترافع المندفع من تساهل في اختيار اللفظ ودقة الأداء. ليست المسألة مسألة أدب فحسب. فإن الحكم الذي تصدره محكمة ابتدائية هو سفيرها أمام محكمة الدرجة الثانية، وحكم محكمة الاستئناف عنوان جهودها أمام محكمة النقض، وقد ينبني على سوء تعبير أو غموض يعتور أسباب الحكم تشويه الرأي كله أو إضعاف حجته أمام المحكمة العليا.
الابتعاد عن التعمل
على أن الإحسان في التحرير لا يستلزم التعمل ولا التزيد، وليس أبعد عن كرامة القاضي من سعيه وراء الإعلان بأحكام تتبين فيها صنعة الأعداد للنشر والرغبة في استجلاب الثناء.
الوقار في لغة الأحكام
كذلك يكره في لغة الأحكام العنف والشدة وجموح العاطفة. فالقضاء وقور بطبعه وبالمهمة السامية التي يؤديها وبالاسم العالي الذي يتوج به أحكامه. فليس يليق به إذا ما تبين الحق في جانب خصم من الخصمين أن يحمل على الخصم الآخر فيصفه بما لا يجب. صحيح أن مهمة القضاء في بعض الأحايين التأديب والزجر: ولكن للزجر مواضعه في القليل من الأحوال. أما على العموم وفي القضاء المدني على الخصوص فيجب أن يكون الحكم عنوان الاعتدال والحشمة والتهذيب.
ويجب على القاضي أن يذكر إذا ما ناقش دفاعاً لمحام أو رأياً قانونيا أبداه أنه إنما يناقش