زميلا له في السعي وراء الحقيقة فليس جميلاً منه ولا كريماً أن يسفه رأيه بمثل هذه العبارة التي قرأناها في حكم جنائي:(أما ما ذهب إليه الدفاع من أن عقلية المتهم غير ناضجة ويجب أن نصدقه لهذا السبب، فهو من لغو القول ولا تلتفت إليه المحكمة).
وقد يبدو لك ما في هذا القول من إساءة إذا قارنته بتصرف محكمة النقض وقد عرضت لأسباب تقرير مقدم من النيابة، فعركتها عرك الرحا وأطارتها هباء ثم ختمت بحثها بهذه التحية الجميلة (وإن المحكمة لتقدر للنيابة ما قامت به من المجهود الفني العظيم في سبيل تأييد نظريتها).
وقد جرت على هذه السنة عينها مع الدفاع إذا أحسن.
لغة الأحكام قديماً وحديثاً في مصر
وليس يبقى لاختتام هذا البحث إلا إشارة موجزة إلى تاريخ لغة الأحكام في مصر.
من عبث التحدث عما قبل عهد منشئ مصر الحديثة، فالمؤكد أنه لم يكن بمصر إلا قضاء شرعي غير محدود الاختصاص. بل لقد استمرت الحال فوضى قضائية في العهد المسمى بعهد المجالس الملغاة، فلم يكن هناك محاكم بالمعنى الصحيح المفهوم اليوم، بل كان رجال يجلسون للقضاء وليس لهم من مؤهلاته إلا الاسم. يقوم بين أيديهم وكلاء دعاوى يسعون إلى كسب قضاياهم بجميع الوسائل. وكانت اللغة في ذلك الوسط من أحط ما عرف في تاريخ العربية: كانت نوعاً من العامية الجوفاء يعتورها تعقيد متعمل ينطوي في نظر أصحاب ذلك اللسان على أروع الأدب. أنظر إلى رواية الوقائع في هذا الحكم الذي أورده محررو الوقائع الرسمية سنة ١٨٨١ نموذجاً للغموض والتعقيد المتمشيين في أحكام ذلك العهد، وفك رموزها إن استطعت وقل ما شئت.
(وفي ليلة الجمعة ٢٢ شعبان سنة ٢٩٤ صار قتل شخص يدعى شعبان نجم من كفر سعودن غربية بالغيط تعلقه وورثاه حصروا شبهتهم في شخص بلديه يدعا (يدعى) أحمد شوره، وبما أن المذكور لم يقر على ذلك وأنسب سيد أحمد عبد الدايم رئيس المشيخة أغرى الورثة ومن سئلوا في القضية على تهمته وما قيل فيحقه (في حقه) بسبب مطاعنته فيحق (في حق) الرئيس المذكور مما أبداه من المعادات (ة) في ذلك قد أخذت الحكومة في أسباب الفحص والتدقيق في هذه المسألة ولما تبين براءة أحمد الشورة المذكور وعدم صحة