الناس عنهم شيئاً أو عرفوا عنهم الكراهية له إلى حد تشويه محاسنه؛ فمهمة الباحث اليوم من أشق المهام؛ وكل ما يمكن أن يصل إليه باحث ظنون قد لا يطول به الأمد حتى تتكشف له عن نفسها كخدعة من خدع الغرور.
حكى أبو الفتح عثمان بن جني قال:
سمعت المتنبي يقول:(إنما لقبت بالمتنبي لقولي):
أنا ترب الندى ورب القوافي ... وسمام العدى وغيظ الحسود
أنا في أمة تداركها الله (م) ... غريب كصالح في ثمود
وفي هذه القصيدة يقول:
ما مقامي بأرض نخلة إلا ... كمقام المسيح بين اليهود
وليس هذا الذي ذكره أبو الفتح إلا كالتمحلات التي يرتكبها بعض الناس بإخراج الألفاظ عن أوضاعها ومعانيها. ذلك بأن أبا الطيب نفسه كان يتألم إذ نبزوه بهذا اللقب، فهو يعلم أن الناس لا يطلقون عليه ذلك تشبيها له بالأنبياء وإن كانت هذه الصيغة قد تستعمل في العربية لإفادة معنى التشبيه. وذكر أبو العلاء في رسالة الغفران ما كان أعداء أبي الطيب يتحدثون به عنه فقال:(وحدثني الثقة عنه حديثاً معناه أنه لما حصل في بني عدي وحاول أن يخرج فيهم قالوا له وقد تبينوا دعواه: (هاهنا ناقة صعبة فإن قدرت على ركوبها أقررنا أنك مرسل) وأنه مضى إلى تلك الناقة وهي رائحة في الإبل فتحيل حتى وثب على ظهرها فنفرت ساعة وتنكرت برهة ثم سكن نفارها ومشت مشي المسمحة، وأنه ورد بها المحلة وهو راكب عليها، فعجبوا له كل العجب، وصار ذلك من دلائله عندهم. وحدث أيضاً أنه كان في ديوان اللاذقية وأن بعض الكتاب انقلبت على يده سكين فجرحته جرحاً مفرطاً، وأن أبا الطيب تفل عليها من ريقه وشد عليها غير منتظر، وقال للمجروح لا تحلها في يومك وعد له أياماً وليالي، وأن ذلك الكاتب قبل منه فبرئ الجرح فصاروا يعتقدون في أبي الطيب أكبر اعتقاد ويقولون هو كمحي الأموات. وحدث رجل كان أبو الطيب قد استخفى عنده في اللاذقية أو في غيرها من السواحل أنه أراد الانتقال من موضع إلى موضع فخرج بالليل ومعه ذلك الرجل، ولقيهما كلب ألح عليهما في النباح ثم انصرف، فقال أبو الطيب لذلك الرجل وهو عائد: (إنك ستجد ذلك الكلب قد مات. فلما عاد الرجل ألفى الأمر على ما