للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكر. ولا يمتنع أن يكون أعد له شيئاً من المطاعم مسموماً وألقاه له وهو يخفي عن صاحبه ما فعل) اهـ. وقل أبو العلاء في رسالة الغفران مرة أخرى:

(وحدثت أنه كان إذا سئل عن حقيقة هذا اللقب قال: هو من النبوة بمعنى المرتفع من الأرض. وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه وإنما هي مقادير يديرها في العلو مدير يظفر بها من وفق ولا يراع بالمجتهد أن يخفق، وقد دلت أشياء في ديوانه أنه كن متألهاً، ومثل غيره من الناس متدلهاً، فمن ذلك قوله:

. . . . . . . . . . . ... ولا قابلا إلا لخالقه حكما

وقوله:

ما أقدر الله أن يخزي بريته ... ولا يصدق قوماً في الذي زعموا

وإذا رجع إلى الحقائق فنطق اللسان، لا ينبئ عن اعتقاد الجنان لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويحتمل أن يظهر الرجل تدنيا وإنما يجعل ذلك تزيناً يريد أن يصل إلى الثناء، أو غرض من أغراض الخالبة أم الفناء) اهـ وأبو العلاء في هذه العبارات مضطرب كل الاضطراب، فبينا هو يقص عليك معجزات أبي الطيب التي مخرق بها على بني عدي إذا هو يذكر لك أنه إنما طمع فيما طمع فيه من هو دونه بعد همة وعلو نفس، ولا يمكن أن يكون مقصوده بذلك النبوة، ثم هو بعد ذلك يعود فيذكر لك أن أبا الطيب كان يعترف بالله تعالى ويرشدك إلى دلائل هذه العقيدة من شعره، ويعود إلى التشكك في دلالة هذه الأقوال على ما في نفسه لأن نطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الجنان؛ وكأن أبا العلاء كان يعاني ما نعانيه اليوم من غموض حال المتنبي وشدة خفائها.

والذي نستطيع أن نعقله أن هذا اللقب قد نبزه به أعداؤه وليس له حقيقة برزت في الوجود، وأن أبا الطيب كان يقوم بدعوى سياسية: كان يطلب الملك ويمني نفسه به ويعد له عدته التي ظن أنها تصل به إليه من المران على الحرب وجمع المال والاستكثار من الأعوان وتدبير المؤمرات، ولم يكن يجسر على الجهر بذلك في عواصم الملك التي عاش فيها فكان يخرج إلى البوادي يتحين الفرصة ويستجمع للوثوب وتحقيق ما في نفسه من آمال؛ وهذا سر من أسرر انتقاله من ملك إلى ملك، وقد ساعده على هذا الحلم اللذيذ ما كان يقع تحت نظره كل يوم من ثورات وفتن وانقلاب، وقوة إيمانه بأنه أفضل من سعت به قدم؛ وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>