ربما قنع بأقل من الملك فرغب في ولاية من الولايات يخلعها عليه كافور، ولعل هذه القناعة لم تكن إلا لأنه فهم أن الولاية سبب يصل من طريقه إلى الملك كالذي يراه في جماعة من ملوك عصره. ولعل كافوراً لم تخف عليه سريرته فحرمه الولاية التي كان وعده إياها. ولعله هو نفسه قد شعر بأن كافوراً فطن لدخيلة نفسه ففر من مصر تحت جنح الليل. أفلست تراه يقول لكافور أول وروده عليه:
وغير كثير أن يزورك راجل ... فيرجع ملكا للعرافين واليا
حتى إذا تأخر جواب كافور وخشي أن يفوته المأمول أو أن يظن به عدم الكفاية للاضطلاع بأعباء الولاية عاوده بقوله:
فارم بي حيثما أردت فإني ... أسد القلب آدمي الرواء
وفؤادي من الملوك وإن كا ... ن لساني يرى من الشعراء
ولم يزل يظهر لكافور تلهفه على إنجاز موعوده بالتعريض مرة وبالتصريح مرة أخرى حتى أدركه اليأس وعلم أن في الأمر شيئاً. أنظر إلى قوله:
إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية ... فجودك يكسوني وشغلك يسلب
ثم انظر إلى قوله:
وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أملت منك حجاب
وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب
قال أبو منصور الثعالبي: (وما زال في برد صباه إلى أن أخلق برد شبابه وتضاعفت عقود عمره بدور حب الولاية والرياسة في رأسه ويظهر ما يضمر من كامن وسواسه في الخروج على السلطان والاستظهار بالشجعان والاستيلاء على بعض الأطراف ويستكثر من التصريح بذلك في مثل قوله:
لقد تصبرت حتى لات مصطبر ... فالآن أقحم حتى لات مقتحم
لأتركن وجوه الخيل ساهمة ... والحرب أقوم من ساق على قدم
وكقوله:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ ... كأنهم من طول ما التثموا مرد
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دُعوا ... كثير إذا شدوا قليل إذا عُدوا