ومطامح هدمها السيد بيومي بذهبه الكثير الجم، وجاهه الطويل العتيد.
- (روحية!. . . أَوْه! عفواً!).
ولم تكلم صاحب الصوت المتلجلج، وهو شاب طِوَالٌ تبدو عليه مظاهر الفتوة ومخايل القوة، ولكنها لم ترفض أن تبتسم ابتسامة خمرية ساحرة، ومضت نحو شباك التذاكر تبتاع واحدة؛ وارتبك الفتى قليلاً، ثم أصلح من هندامه (ربطة الرقبة فقط) وابتلع ريقه، وانطلق يزاحم الجمهور حتى أخذ مكانه خلفها، وانتظر حتى كانت عند الشباك، ومدت يدها بالنقود، فصاح هو من خلفها:
- (من فضلك يا آنسة! التذكرتان متجاورتان. لا تأخذي نقوداً! هاتي بقية جنيه!. . .).
والتفتت روحية فوجدته الشاب نفسه! صلاح! صلاح الذي كان يوماً من الأيام أجمل ابتسامة في حياتها، والنور الإلهي الذي يضيء ظلمات نفسها. . . لقد أوشكت أول الأمر أن ترده وتقسو عليه كزوجة أبية وفية، ولكنها لم تستطع، بل التفتت إليه. . . وشكرته باسمة. . . ودخلا إلى الصالة وجلسا على كرسيين متجاورين، ولم يسعهما ن يتكلما كلمة واحدة!. . . وكان بيد كل منهما منهاج للحفلة، فظلاً يقلبانهما ألف مرة، وأكبر الظن أنهما لم يقرآ حرفاً واحداً مما فيها. . . وكان صلاح، كل دقيقتين أو ثلاث دقائق، يخالس روحية نظرة فائضة بالحزن، مبللة بالدمع، صادرة من أبعد غور في روحه المعذبة الشقية. . . ثم يقول لها (سلامات يا روحية!!) وتجيبه روحية، بلسان خجول متلعثم، عارف بما يعنيه صلاح:(أهلاً. . . و. . . سهلاً!) ثم قال لها صلاح فجأة: (روحية، أليس خيراً لنا أن نؤجل هذه الحفلة إلى غد، ونمضي من هنا فنستنشق الهواء الطلق في سفح الأهرام. . . الليلة مقمرة. . . أليست هذه فكرة؟!).
ووافقت روحية، ثم حملتهما السيارة في طريق الأهرام. . . ومع ذلك لم يتكلما أيضاً!! أليسا هما الآن في طريق خوفو؟ وهل تكلم خوفو من يوم أن دفن في حصنه المشيد!!).
وانتحيا من الناس ناحية، وصعدا فوق الصف الرابع أو الخامس من حجارة الهرم الأكبر مما يواجه الضوء الفضي المنبعث من القمر. . .
يا للياليك الساحرة المقمرة يا مصر! الصحراء الأبدية تتواثب في اللانهاية، تتسمع شكوى الفتاة المعذبة التي فقدت حبها وشقيت بزوجها؛ وأبو الهول الرهيب الصامت يرهف سمعيه