موضوعه شيئاً أو عملاً لا يمكن الوفاء به مقسماً وقت تكوين العقد. وقد قسم العلامة ديمولان الشهير التعهدات غير القابلة للانقسام إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول عدم الانقسام الناشئ عن العقد وهو المعبر عنه بعدم الانقسام الطبيعي أو المطلق أو الضروري. . .
فيظهر جلياً أن عدم الانقسام هذا هو اضطراري وخارج عن إرادة المتعاقدين لأنه ليس في وسعهم وقدرتهم تغبير ماهية وطبيعة الأشياء).
ثم طفرت لغة المحاكم طفرة سعيدة وظهر التحسن واضحاً ملموساً في العشر سنوات التالية على يد فحول غذى بهم القضاء الأهلي بعد سنة ١٨٩٠. أنظر إلى هذه الدائرة بمحكمة الاستئناف كيف أصبحت تكتب برياسة حامد محمود وعضوية قاسم أمين ودوهلتس (حقوق سنة ١٨٩٦).
(وحيث أن القاضي بتخطيه هذه الحدود (أي حين يتخطى القيود الموضوعة في قانون تشكيل المحكمة) صار عديم الصفة في الفصل وأصبح كأنه في بلد أجنبي. ومتى انعدمت صفة المحكمة في الفصل لا تكون أحكامها أحكاماً ولا قضاتها قضاة، وإنما يكونون كأفراد فصلوا فيما رفع إليهم وصاغوا فصلهم في قالب الأحكام. وإن كان ذلك في استطاعتهم فليس في وسعهم أن يمنحوها من عندياتهم ما حرمه الشارع من القوة).
وما أجمل هذا الإيجاز في بيان موضوع النزاع المطروح على دائرة أخرى (دائرة أحمد عفيفي وسعد زغلول وكوريت):
(وحيث أن نقطة النزاع في هذه الدعوى هي من هو ملزم بدفع مبلغ المائة وثمانين جنيهاً إلى الخواجة سكوبو، هل تكون الست نفيسة ملزمة أو الشيخ أحمد الحكيم أو الاثنان معاً؟ وفي الحالة لأخيرة: هل تلك الملزومية بالتضامن أم لا؟).
ومضى الرقي في طريقه بعد ذلك غير وان ولا متردد، فساير سمو الأسلوب نضوج الفكر، واكتشفت أو نحتت ألفاظ عربية كثيرة لتؤدي معاني فقهية حديثة، وغمر سيل هذه النهضة المباركة دور المحاكم كلها لا فرق بين جزئية وابتدائية واستئنافية. ثم جاءت محكمة النقض في العهد الأخير فطبعت لغة الأحكام بطابع جليل ممتاز جمع إلى دقة الأداء برشاقة اللفظ وجمال الأسلوب.
لسنا نبالغ ولا نلقى القول بغير دليل. (وعلى من مارى - كما يقول رئيس محكمة النقض