الجليل في خطبته الخالدة - أن يقرأ فأنه لا رأي لغير مطلع عليم).
وإن المطلع العليم ليحار أي زهر يقتطف وسط هذه الجنة الفيحاء. لقد طغى تيار الإجادة فاكتسح بقايا العجمة وضآلة التعبير وأصبحنا حتى في القضايا البسيطة أمام أحكام حبك نسجها وأشرقت ديباجتها. اقرأ هذا الحكم لقاض جزئي فاضل (إسكندر حنا) يقرر فيه القواعد التي يجب على سائقي السيارات مراعاتها إذا ما اقتربوا من تقاطع شارعين، ويتحدث عن ماهية هذه القواعد قانوناً:
(وحيث أن المدعي المدني يقول إنه كان سائراً في شارع رئيسي ومن حقه أن يأمن السير فيه ولا يعكر عليه أمنه السيارات الخارجة من الشوارع المتقاطعة فواجبها ألا تخرج إلى الشارع الرئيسي إلا بعد الاستيثاق من خلوه.
وحيث أنه ليس في اللوائح أو الأوامر الإدارية تقسيم الشوارع بين رئيسية وفرعية وما هي إلا قواعد أوحى بها العقل، فتواضع الناس على العمل بها اتباعاً لما تقضي به مصالحهم وما يستوجبه ضمان أرواحهم أثناء سيرهم في الطرق العمومية وتنظيمها لمرورهم. . . والواجب يقضي على من يقود سيارة في شارع متقاطع مع شارع رئيسي أن يتحقق قبل محاولة اجتيازه من خلوه أو من إمكانه المرور فيه قبل أن تدركه السيارات السائرة فيه، ولكن ليس معنى ذلك أن السائق الذي يسير في شارع رئيسي يتهاون في قيادته إلى حد الخطأ أو الإهمال، فأنه يتعين عليه أن يكون شديد الحذر كلما اقترب من نقطة التقاطع وأن يخفف من سرعة سيارته اجتناباً للمفاجآت التي قد تحصل على غرة).
بيان كامل لما احتواه رأس الكاتب من قهم صحيح لقواعد السير، خطته يراعة مالكة لناصية الألفاظ تضعها حيث يجب أن توضع في أسلوب سهل وشيق.
واقرأ هذا الحكم للقاضي (حسن جاد) في قضية رفعها رجل على شريكه في الجريمة بطلب استرداد ما دفعه إليه ثمناً لاشتراكه، ووجد القاضي نفسه أمام رأيين فقهيين لكل منهما أنصاره ومخالفوه. أنظر كيف يؤيد الرأي الذي اختاره لنفسه تأييد أديب بارع:
(وحيث أن المدعي عليه دفع بعدم قبول الدعوى قولاً منه بأن استرداد المبلغ على فرض حصول دفعه أمر غير جائز لأن الدفع إنما حصل تنفيذاً لارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.