وحيث أن هذه المسألة وإن اشتد الجدل وكثر التحاور واختلفت الآراء وتناقضت الأحكام بشأنها، إلا أن المحكمة ترى رجحان المذهب القائل بجواز الاسترداد. لا لأنه هو المذهب السائد المتغلب بين الشارحين والمحاكم فقط، بل لما فيه من مزايا وما في عكسه من آفات.
وتعليل ذلك ظاهر لأن في اعتماد الدفع إفراراً للمحظور وتشجيعاً للفاجر على فجره. دع أن القانون نفسه لا يرتب أثراً للعقد القائم على سبب غير مشروع، ولا يمكن أن تفهم هذه القاعدة وتدرك حكمتها إلا إذا محوت أثر التعاقد وعاد ما كان إلى ما كان.
ذلك خير من الرأي القائل بأنه لا ينبغي مساعدة أي من طرفي التعاقد لأنه ليس لمن خالف القانون أن يستعين بالقانون ليحميه. ذلك بأن أصحاب هذا الرأي وهذه حجتهم لم يعبئوا بما يترتب على المنع من معاملة القابض على السحت معاملة أخف وأصلح من معاملة القابض على الحلال. بل إن هذه الحجة قد تلتوي على أصحابها في بعض الأحوال ويكون من نتائجها أن تتفاوت المعاملة بين العاقدين فيحل لأحدهما ما يحرم على الآخر.
وهذا من الوجهة القانونية. وأدب النفس يقضي بأن ما خرج عن النظام العام يجب إرجاعه إليه؛ ولما كان تنفيذ العقد الباطل خروجاً عن النظام وجب إلغاء التنفيذ ورد الحالة إلى ما كانت عليه قبله. ومن مصلحة المجموع أن يعلم سلفاً كل مقدم على مباشرة عقد باطل أنه لا يملك تنفيذ العقد بل ولا يملك الاحتفاظ بما تم لمصلحته تنفيذاً للتعاقد).
لغة ممشوقة تحبب إليك لو كنت من قضاة الدرجة الثانية البحث في الدعوى وتصور لك قاضي الدرجة الأولى رجلاً له قيمته فلا تقبل على هدم حكمه إن أردت الإلغاء إلا بحذر واحتراس.
وهذا قاض ثالث - مصطفى مرعي - يجيد كتابة الأحكام على حداثة عهده بالقضاء. أنظر كيف انقلب قلم المذكرات الجامح يراعة متزنة هادئة تتخير لكل لفظ موضعه ولا تتزيد في الأسباب حرفاً. أنظر إليه يطبق قاعدة أن العبرة في العقود بمعانيها لا بمبانيها:
(وحيث أن الطعن الثاني الذي وجهه المدعي للعقد يتطلب البحث فيما إذا كان العقد المذكور قد استوفى شروط البيع فيكون ملزماً للبائع أو هو لم يستوف هذه الشروط خلافاً لظاهره فيكون هبة أو وصية يسترها بيع.
وحيث أن المحكمة عند إجراء هذا البحث لا تستطيع أن تنظر إلى العقد في ظاهره دون