الاجتماعية، ومن الكتاب الجاحظ العالم الكلف بدراسة الحيوان وتذوق كل قديم وجديد وقريب وبعيد في الحياة والكتب، والذي كان - كما قيل - يستأجر المكاتب ليلاً ليبيت فيها يستوعب محتوياتها.
تماثَلَ الكتاب والشعراء في الأخذ من الثقافة بنصيب، ولكن كان لكتاب على العموم أوفر حظاً من الثقافة عامة ومن العلوم خاصة، واقتصر بعض الشعراء على الدراسة الأدبية، لأن الكتاب كانوا يترشحون للوزارة وكتابة الدواوين والولاية وتأديب أبناء الأمراء، ولا بد لتلك المناصب من دراية واسعة وإلمام شامل، ولأن كثيراً من الشعراء لم يكن للشعر عندهم غاية وراء استدرار الصلات والجوائز، ولم تكن وظيفته عندهم تسجيل الآراء والخوالج النفسية، فلم يكن بهم كبير حاجة إلى دراسة العلوم التي تهذب الفكر، بل كن حسبهم أن يقفوا على مذاهب القول التي سلكها المتقدمون من الشعراء المداحين، والبحتري أبرز أولئك الشعراء الذين عاشوا في صميم عهد الثقافة بنجوة عنها، فقد كان حريصاً على استبقاء السذاجة البدوية، وجاء أكثر ديوانه الضخم مدحاً لمن يرجو عندهم العطاء، وهجواً لمن خيبوا منه ذلك الرجاء.
كان أعلام الأدب الإنجليزي كذلك على جانب عظيم من الثقافة، وقد حصلوا - عدا من قعدت بهم ظروف غير مواتية كشكسبير وجونسون - علومهم في الجامعات التي أخذ نظامها عن العرب وأصبحت مواطن العلم والدرس، ونَبُهَ صيت بعضهم وهم ما يزالون طلاباً بها، وتشترك ثقافتهم مع ثقافة أدباء العربية في الاشتمال على الفلسفة اليونانية؛ ولكن بينما كانت دراسة الأدب العربي القديم تتم الباقي من ثقافة الأديب العربي، كانت دراسة الأدب اليوناني تكمل ذلك الجانب من ثقافة الأديب الإنجليزي. ومن ثم كان معظم الأدباء الإنجليز ملمين باللغتين اليونانية واللاتينية؛ ولمعرفة اللغات أثرها العظيم في تكوين الأديب وتوسيع أغراض القول؛ ويكثر الالماع إلى اليونان والرومان: تاريخهم وأساطيرهم ومشهوري رجالهم في الأدب الإنجليزي، كما تكثر الإشارة إلى الجاهلية والجاهليين في الأدب العربي.
ويتشابه رجال الأدبين في الرحلة عن الوطن في نشدان العلم: فقد كان أدباء العربية يطوفون في البلاد في طلب أئمة العلوم يلزمونهم، وفي طلب نوادر الكتب يستنسخونها،