ولا قر الصحراء؛ وهناك كانت ترشو البواب الفقير، وتجزل له العطاء، ثم تعرج إلى الطابق العلوي، فإذا لقيها بعض الخدم حفوا بها واحتفوا، فتنفح هذا قرشاً وذاك قرشين، حتى تلقى الممرضة الصغيرة الجميلة التي كانت تعرف سر قلبها وعلالةَ نفسها، فتنسى هذه كل قوانين المصحة في سبيل قوانين الحب، وتمضي بين يديها إلى غرفة نادر. . . المسلول المدنف البائس. . . فتقف لحظة خاطفة، وتستأذن. . . لتخلي الطريق المكهرب بين القلبين الحبيبين.
وكان نادر يقدر لسهام تجشمها الصعاب من أجله، وكان يلقاها دائماً بابتسامة عذبة محزونة، وعينين سادرتين مغرورقتين، وروح تكاد تثب لتلقها بذراعين من سرور!
يا لله. . . ويا للحب!!
لم يكن نادر يجهل خباثة مرضه، ولم يكن يجهل أن عدواه شديدة الفتك، وكانت سهام كنزه الروحي الذي يضمن له السعادة والأحلام، ولذلك كان يحرسها دائماً بإبعاد فمه عن ناحيتها، وكان يزوي وجهه عنها أو يدسه في منديل كلما كلمها. وكانت هي لا تبالي أن تدنوا منه لتدلل له على أنه حياتها، وأنها لا تبالي أن تصاب بمثل ما يشكو منه، وذلك من عمى الحب وجهله؛ بيد أنه كان يرجوها في حرارة أن تبتعد، فإذ لم تُصِخْ، دس رأسه بين الوسادتين، وراح ينتحب. فتشفق عليه وتبتعد.
وفُصلت الممرضة التي كانت تُسهل لها زيارة نادر لفتنةٍ شبت بين الخدم من أجل قروش سهام. . . والحق أن الرحمة بالمحبين في هذه الأماكن الخطيرة حماقة من الرحماء المشفقين!
على أن سهاماً لم تَعيَ بزيارة نادر، بل استطاعت بقروشها أيضا أن تنفذ إليه مرات ومرات!
ولم تكن سهام تجهل أن فتاها في الطور الأخير من مرضه، ولم تكن في حاجة لأن يخبرها أبوها بذلك، ولكن تلّقي الأخبار السيئة يكون جديداً كلما امتلأت به الأذن مرة بعد أخرى، وضاعف وقع الخبر في نفس سهام أن الدكتور أكّده. فلما ذهبت إلى مخدعها لتنام طفقت تتقلب في أشواك من الهموم، وفوق إبر من الأفكار السوداء التي تشبه الخفافيش.
وذهب أبوها إلى مخدعه كذلك، ولكنه ما كاد يستقر فيه حتى سمع ابنته تسعل. . . ثم