تسعل. . . وهنا هاجت خلية من اليعاسيب في رأسه، فنهض من فوره وتوجه إلى غرفتها؛ ولكنه وقف عند الباب يَتسمَّع ويتسمّع. . .
(أه يا نادر. . . يا حبيبي يا نادر. . . كيف أعيش بعدك يا نادر؟. . .
وكان الصوت ضعيفاً عميقاً يتشقق عن صدر ممزق ونفس محروبة؟
ودخل الوالد الذاهل عن نفسه فجلس بجانب ابنته على سريرها ومر بأصابعه على رأسها فأحس كأنه يحترق.
وكانت سهام ما تنفك تسعل. . . وتسعل.
ونهض أبوها فتكلم مع أحد أصدقائه الأطباء في (التليفون) فجاء على عجل. . . وزار سهاما. . . وبكل أسف كان هو نفس الدكتور الذي تسبب في فصل الممرضة من المصحة.
وداعبها الطبيب بكلمات حلوة منمقة معسولة، وخرج ولم يكلم أباها. . ولكنها سمعته يقول وهو يطوي الدرج (أنا قلت، أنا قلت. . .) فكانت حماقة أدهى من حماقة الممرضة!
وتبسمت سهام تبسماً حزيناً، وجعلت تتمتم (نادر؟ سويا يا نادر!!).
ولما أحضرت قوارير الدواء وزجاجاته حدجتها الفتاة بنظرات الاشمئزاز ولم تذق منها جرعة!
واشتدت وطأة المرض على سهام، ولم تكن هناك وسيلة خير من انتقالها إلى المصحة، المصحة نفسها. . . ولم تشعر بغضاضة وهي تلم شعثها لتنتقل إليها، بل كانت تحس كأنها ذاهبة إلى الجنة لتلقى ثمة حبيبها الذي خيل لها كأنه دخلها منذ بعيد. . ومن العجيب أن صحتها تقدمت تقدما محسوساً في الأيام لأولى، لأن شعور الفرح والرضى لمجاورة نادر كان يغمر قلبها ويفعمه بالمسرة.
وجاءت ساعة الهول والفزع الأكبر.
أقضت سهام ليلة مقرورة ممتلئة بالوساوس؛ ولم تكن عينها تغفل قليلاً إلا لتصحوا فزعة من أحلام سوداء تتعلق بنادر. . . فلقد رأته مسجى فوق سريره، وقد تناثر الورد من حوله، ولف في ثوب حريري أبيض كبير هفهاف، ووقف عند رأسه عصفوران أبيضان يغردان تغريداً مشيجاً حزيناً. . ثم ما هي إلا لحظة حتى أغمض النائم عينيه. . . وطار العصفوران إلى السماء. . .!